ومحال إيجاب التيمم إلا وقد وجب قبل ذلك الطهارة بالماء وهو بدل فيها، فغير جائز أن يكون اللمس المذكور موجبا للوضوء في إحدى الحالتين وموجبا للغسل في أخرى.
وأيضا فإن التيمم وإن كان بصورة واحدة فإن حكمه مختلف، لأن أحدهما ينوب عن غسل جميع الأعضاء والآخر عن غسل بعضها، فغير جائز أن ينتظمهما لفظ واحد، فمتى وجب لأحد المعنيين فكأنه قد نص عليه وذكره بأن قال هو الجماع فلا يدخل فيه اللمس باليد. ويدل على انتفاء إرادتهما أن اللمس متى أريد به الجماع كان اللفظ كناية، وإذا أريد منه اللمس باليد كان صريحا، وكذلك روي عن علي وابن عباس أنهما قالا: " اللمس هو الجماع ولكنه كني " وغير جائز أن يكون لفظ واحد كناية صريحا في حال واحدة.
ومن جهة أخرى يمتنع ذلك، وهو أن الجماع مجاز والحقيقة هي اللمس باليد، ولا يجوز أن يكون لفظ واحد حقيقة مجازا في حال واحدة.
فإن قيل: لم لا يكون عموما في اللمس من حيث كان الجماع أيضا مسا ويكون حقيقة فيهما جميعا؟ قيل له: يمتنع ذلك من وجوه، أحدها: أنه قد روي عن علي وابن عباس أنه كناية عن الجماع، وهما أعلم باللغة من هذا القائل، فبطل قول القائل إن اللمس صريح فيهما جميعا. والآخر: ما بينا من امتناع عموم واحد مقتضيا لحكمين مختلفين فيما دخلا فيه، ولأن اللمس إذا أريد به مماسة في الجسد فقد حصل نقض الطهارة ووجب التيمم المذكور في الآية بمسه إياها قبل حصول الجماع لاستحالة أن يحصل جماع إلا ويحصل قبله لمس لجسدها، فلا يكون الجماع حينئذ موجبا للتيمم المذكور في الآية لوجوبه قبل ذلك بمس جسدها. ويدل على أن المراد الجماع دون لمس اليد أن الله تعالى قال: (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم) إلى قوله: (وإن كنتم جنبا فاطهروا) أبان به عن حكم الحدث في حال وجود الماء، ثم عطف عليه قوله:
(وإن كنتم مرضى أو على سفر) إلى قوله: (فتيمموا صعيدا طيبا) فأعاد ذكر حكم الحدث في حال عدم الماء فوجب أن يكون قوله: (أو لامستم النساء) على الجنابة لتكون الآية منتظمة لهما مبينة لحكمهما في حال وجود الماء وعدمه، ولو كان المراد اللمس باليد لكان ذكر التيمم مقصورا على حال الحدث دون الجنابة غير مفيد لحكم الجنابة في حال عدم الماء، وحمل الآية على فائدتين أولى من الاقتصار بها على فائدة واحدة، وإذا ثبت أن المراد الجماع انتفى اللمس باليد، لما بينا من امتناع إرادتهما بلفظ واحد.
فإن قيل: إذا حمل على اللمس باليد كان مفيدا لكون اللمس حدثا، وإذا جعل