كان يقبل بعض نسائه وهو صائم ". وقد روي الأمران جميعا في حديث واحد. ولا يجوز حمله على أنه قبل خمارها وثوبها لوجهين، أحدهما: أنه لا يجوز أن يحمل اللفظ على المجاز بغير دلالة، إذ حقيقته أن يكون قد باشر جلدها حيث قبلها، وما ذكره الخصم يكون قبلة لخمارها. والثاني: أنه لا فائدة في نقله. وأيضا فإنه لم يكن بين النبي صلى الله عليه وسلم من الوحشة وبين أزواجه ما يوجب أن يكن مستورات عنه لا يصيب منها إلا الخمار. ومنه حديث عائشة أنها طلبت النبي صلى الله عليه وسلم ليلة، قالت: فوقعت يدي على أخمص قدمه وهو ساجد يقول: " أعوذ بعفوك من عقوبتك وبرضاك من سخطك ". فلو كان مس المرأة حدثا لما مضى في سجوده، لأن المحدث لا يجوز أن يبقى على حال السجود. وحديث أبي قتادة: " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهو حامل أمامة بنت أبي العاص، فإذا سجد وضعها، وإذا رفع رأسه حملها "، ومعلوم أن من فعل ذلك لا يخلو من وقوع يده على شئ من بدنها، فثبت بذلك أن مس المرأة ليس بحدث. وهذه الأخبار حجة على من يجعل اللمس حدثا لشهوة أو لغير شهوة، ولا يحتج بها على من اعتبر اللمس لشهوة، لأنه حكاية فعل النبي صلى الله عليه وسلم لم يخبر فيه النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان لشهوة، ومسه أمامة قد علم يقينا أنه لم يكن لشهوة.
والذي يحتج به على الفريقين أنه معلوم عموم البلوى بمس النساء لشهوة، والبلوى بذلك أعم منها بالبول والغائط ونحوهما، فلو كان حدثا لما أخلى النبي صلى الله عليه وسلم الأمة من التوقيف عليه لعموم البلوى به وحاجتهم إلى معرفة حكمه، ولا جائز في مثله الاقتصار بالتبليغ إلى بعضهم دون بعض، فلو كان منه توقيف لعرفه عامة الصحابة، فلما روي عن الجماعة الذين ذكرناهم من الصحابة أنه لا وضوء فيه، دل على أنه لم يكن منه صلى الله عليه وسلم توقيف لهم عليه، وعلم أنه لا وضوء فيه.
فإن قيل: يلزمك مثله لخصمك لأن يقول: لو لم يكن فيه وضوء لكان من النبي صلى الله عليه وسلم توقيف للكافة عليه، لأنه لا وضوء فيه لعموم البلوى به. قيل له: لا يجب ذلك في نفي الوضوء منه كما يجب في إثباته، وذلك لأنه معلوم أن الوضوء منه لم يكن واجبا في الأصل، فجائز أن يتركهم النبي صلى الله عليه وسلم على ما كان معلوما عندهم من نفي وجوب الطهارة، ومتى شرع الله تعالى فيه إيجاب الوضوء فغير جائز أن يتركهم بغير توقيف عليه مع علمه بما كانوا عليه من نفي إيجابه، لأن ذلك يوجب إقرارهم على خلاف ما تعبدوا به، فلما وجدنا قوما من جلة الصحابة لم يعرفوا الوضوء من مس المرأة علمنا أنه لم يكن منه توقيف على ذلك.
فإن قيل: جائز أن لا يكون منه صلى الله عليه وسلم توقيف في حال ذلك اكتفاء بما في ظاهر