أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ٤٣٣
اقتصر فيه على إمساس الماء الموضع من غير جري لجاز، فلما استغنى عن إجرائه على العضو في صحة أداء الفرض لم يجز نقله إلى غيره.
فإن قيل: فلو صب على رأسه ماء وجرى عليه حتى استوفى منه مقدار ثلاثة أصابع أجزى عن المسح مع انتقاله من موضع إلى غيره، فهلا أجزته أيضا إذا مسح بأصبع واحدة ونقله إلى غيره! قيل له: من قبل أن صب الماء غسل وليس بمسح، والغسل يجوز نقل الماء فيه من موضع إلى غيره، وأما إذا وضع أصبعه عليه فهذا مسح فلا يجوز أن يمسح بها موضعا غيره. وأيضا فإن الماء الذي يجري عليه بالصب والغسل يتسع للمقدار المفروض كله، وما على أصبع واحدة من الماء لا يتسع للمقدار المفروض، وإنما يكفي لمقدار الأصبع، فإذا جره إلى غيره فإنما نقل إليه ماء مستعملا في غيره، فلا يجوز له ذلك.
باب غسل الرجلين قال الله تعالى: (وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين) قال أبو بكر: قرأ ابن عباس والحسن وعكرمة وحمزة وابن كثير: " وأرجلكم " بالخفض، وتأولوها على المسح. وقرأ علي وعبد الله بن مسعود وابن عباس في رواية وإبراهيم والضحاك ونافع وابن عامر والكسائي وحفص عن عاصم بالنصب، وكانوا يرون غسلها واجبا. والمحفوظ عن الحسن البصري استيعاب الرجل كلها بالمسح، ولست أحفظ عن غيره ممن أجاز المسح من السلف هو على الاستيعاب أو على البعض، وقال قوم: " يجوز مسح البعض ". ولا خلاف بين فقهاء الأمصار في أن المراد الغسل. وهاتان القراءتان قد نزل بهما القرآن جميعا ونقلتهما الأمة تلقيا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يختلف أهل اللغة أن كل واحدة من القراءتين محتملة للمسح بعطفها على الرأس ويحتمل أن يراد بها الغسل بعطفها على المغسول من الأعضاء، وذلك لأن قوله: (وأرجلكم) بالنصب يجوز أن يكون مراده: فاغسلوا أرجلكم، ويحتمل أن يكون معطوفا على الرأس فيراد بها المسح وإن كانت منصوبة فيكون معطوفا على المعنى لا على اللفظ، لأن الممسوح به مفعول به كقول الشاعر:
معاوي إننا بشر فاسجح * فلسنا بالجبال ولا الحديدا فنصب الحديد وهو معطوف على الجبال بالمعنى. ويحتمل قراءة الخفض أن تكون معطوفة على الرأس فيراد به المسح، ويحتمل عطفه على الغسل ويكون مخفوضا بالمجاورة كقوله تعالى: (يطوف عليهم ولدان مخلدون) [الواقعة: 17] ثم قال:
(٤٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 428 429 430 431 432 433 434 435 436 437 438 ... » »»