للمصلي فيه، ونحو البلوغ والعقل اللذين هما شرط في صحة التكليف وليسا بفعل المكلف؟ فبان بما وصفنا أن ورود لفظ الأمر بما جعل شرطا في غيره لا يقتضي وقوعه طاعة منه ولا إيجاب النية فيه، ألا ترى أن قوله تعالى: (وثيابك فطهر) [المدثر: 4] وإن كان أمرا بتطهير الثوب من النجاسة فإنه لم يوجب كون النية شرطا في تطهيره؟ إذ لم تكن إزالة النجاسة مفروضة لنفسها وإنما هي شرط في غيرها، وإنما تقديره: لا تصل إلا في ثوب طاهر ولا تصل إلا مستور العورة. ويدل على ذلك أيضا أن الشافعي قد وافقنا على أن رجلا لو قعد في المطر ينوي الطهارة فأصاب جميع أعضائه أنه يجزيه من غير فعل له فيه، ولو كان ذلك مفروضا لنفسه لما أجزاه دون أن يفعله هو أو يأمر به غيره، لأن هذا حكم المفروض.
فإن قيل: فالتيمم غير مفروض لنفسه ولا يصح مع ذلك إلا بالنية، فليس إيجاب النية مقصورا على ما كان مفروضا لنفسه. قيل له: هذا غير لازم لأنا لم نخرج هذا القول مخرج الاعتلال فتلزمنا عليه المناقضة، وإنما بينا أن لفظ الأمر إذا ورد فيما كان وصفه ما ذكرنا فإنه لا يقتضي إيجاب النية شرطا فيه إلا بدلالة أخرى من غيره، فإنما أسقطنا بذلك احتجاج من احتج بظاهر ورود الأمر في إيجاب النية، وفي مضمون لفظ التيمم إيجاب النية إذ كان التيمم في اللغة اسما للقصد، قال الله تعالى: (ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون) [البقرة: 267] يعني لا تقصدوا، وقال الشاعر:
ولن يلبث العصران يوم وليلة * إذا طلبا أن يدركا ما تيمما وقال آخر:
فإن تلي خيلي قد أصيب صميمها * فعمدا على عين تيممت مالكا وقال الأعشى:
تيممت قيسا وكم دونه * من الأرض من مهمه ذي شزن يعني قصدته. فلما كان في لفظ الآية إيجاب القصد والقصد هو النية لفعل ما أمر به، جعلنا النية شرطا ولم يكن في إيجاب النية فيه إلحاق زيادة بالآية غير مذكورة فيها.
وأما الغسل فلا تنطوي تحته النية، وفي إيجابها فيه إثبات زيادة فيها ليست منها، وذلك غير جائز. ووجه آخر في الفصل بين التيمم والوضوء: وهو أن التيمم قد يقع تارة عن الغسل وتارة عن الوضوء، وهو على صفة واحدة في الحالين، فاحتيج إلى النية للفصل بين حكميهما، لأن النية إنما شرطت لتمييز أحكام الأفعال، فلما كان حكم التيمم قد يختلف فيقع تارة عن الغسل وتارة عن الوضوء احتيج إلى النية فيه لتمييز ما يقع منه عن