أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ٤٠٢
قوله تعالى: (فكلوا مما أمسكن عليكم) يقتضي جواز صيده وإباحة أكله، ولم يفرق بين أن يكون مالكه مسلما أو مجوسيا. وأيضا فإن الكلب آلة كالسكين يذبح بها والقوس يرمى عنها، فواجب أن لا يختلف حكم الكلب لمن كان كسائر الآلات التي يصطاد بها.
وأيضا فلا اعتبار بالكلب وإنما الاعتبار بالمرسل، ألا ترى أن مجوسيا لو اصطاد بكلب مسلم لم يجز أكله؟ وكذلك اصطياد المسلم بكلب المجوسي ينبغي أن يحل أكله.
فإن قيل: قال الله تعالى: (يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله) ومعلوم أن ذلك خطاب للمؤمنين، فواجب أن يكون تعليم المسلم شرطا في الإباحة. قيل له: لا يخلو تعليم المجوسي من أن يكون مثل تعليم المسلم المشروط في إباحة الذكاة أو مقصرا عنه، فإن كان مثله فلا اعتبار بالمعلم وإنما الاعتبار بحصول التعليم، ألا ترى أنه لو ملكه مسلم وهو معلم كتعليم المسلم جاز أكل ما صاده؟ فإذا لا اعتبار بالملك وإنما الاعتبار بالتعليم. وإن كان تعليم المجوسي مقصرا عن تعليم المسلم حتى يخل عند الاصطياد ببعض شرائط الذكاة فهذا كلب غير معلم، ولا يختلف حينئذ حكم ملك المجوسي والمسلم في حظر ما يصطاده. وأما قوله: (تعلمونهن مما علمكم الله) فإنه وإن كان خطابا للمسلمين فالمقصد فيه حصول التعليم للكلب، فإذا علمه المجوسي كتعليم المسلم فقد وجد المعنى المشروط، فلا اعتبار بعد ذلك بملك المجوسي.
واختلفوا في الصيد يدركه حيا، فقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد فيمن يدرك صيد الكلب أو السهم فيحصل في يده حيا ثم يموت: " فإنه لا يؤكل، وإن لم يقدر على ذبحه حتى مات ". وقال مالك والشافعي: " إن لم يقدر على ذبحه حتى مات أكل وإن مات في يده وإن قدر على ذبحه فلم يذبحه لم يؤكل وإن لم يحصل في يده ". وقال الثوري: إن قدر أن يأخذه من الكلب فيذبحه فلم يفعل لم يؤكل ". وقال الأوزاعي: " إذا أمكنه أن يذكيه ولم يفعل لم يؤكل، وإن لم يمكنه حتى مات بعد ما صار في يده أكل ".
وقال الليث: " إن أدركه في في الكلب فأخرج سكينه من خفه أو منطقته ليذبحه فمات أكله، وإن ذهب ليخرج السكين من خرجه فمات قبل أن يذبحه لم يأكله ".
قال أبو بكر: إذا حصل في يده حيا فلا اعتبار بإمكان ذبحه أو تعذره في أن شرط ذكاته الذبح، وذلك لأن الكلب إنما حل صيده لامتناع الصيد وتعذر الوصول إليه إلا من هذه الجهة، فإذا حصل في يده حيا فقد زال المعنى الذي من أجله أبيح صيده وصار بمنزلة سائر البهائم التي يخاف عليها الموت، فلا تكون ذكاته إلا بالذبح سواء مات في وقت لا يقدر على ذبحه أو قدر عليه، والمعنى فيه كونه في يده حيا.
(٤٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 397 398 399 400 401 402 403 404 405 406 407 ... » »»