أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ٤٠٦
واختلف الفقهاء فيمن انتحل دين أهل الكتاب من العرب، فقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر: " من كان يهوديا أو نصرانيا من العرب والعجم فذبيحته مذكاة إذا سمى الله عليها، وإن سمى النصراني عليها باسم المسيح لم تؤكل، ولا فرق بين العرب والعجم في ذلك ". وقال مالك: " ما ذبحوه لكنائسهم أكره أكله، وما سمي عليه باسم المسيح لا يؤكل والعرب والعجم فيه سواء ". وقال الثوري: " إذا ذبح وأهل به لغير الله كرهته "، وهو قول إبراهيم. وقال الثوري: وبلغني عن عطاء أنه قال: " قد أحل الله ما أهل به لغير الله، لأنه قد علم أنهم سيقولون هذا القول ". وقال الأوزاعي: " إذا سمعته يرسل كلبه باسم المسيح أكل ". وقال فيما ذبح أهل الكتابين لكنائسهم وأعيادهم: كان مكحول لا يرى به بأسا، ويقول: هذه كانت ذبائحهم قبل نزول القرآن ثم أحلها الله تعالى في كتابه، وهو قول الليث بن سعد. وقال الربيع عن الشافعي: " لا خير في ذبائح نصارى العرب من بني تغلب " قال: " ومن دان دين أهل الكتاب قبل نزول القرآن وخالف دين أهل الأوثان قبل نزول القرآن فهو خارج من أهل الأوثان وتقبل منه الجزية عربيا كان أو عجميا، ومن دخل عليه الاسلام ولم يدن بدين أهل الكتاب فلا يقبل منه إلا الاسلام أو السيف ". قال أبو بكر: وقد روي عن جماعة من السلف القول في أهل الكتاب من العرب، لم يفرق أحد منهم فيه بين من دان بذلك قبل نزول القرآن أو بعده، ولا نعلم أحدا من السلف والخلف اعتبر فيهم ما اعتبره الشافعي في ذلك، فهو منفرد بهذه المقالة خارج بها عن أقاويل أهل العلم.
وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله: (لا إكراه في الدين) [البقرة:
156] قال: " كانت المرأة من الأنصار لا يعيش لها ولد فتحلف لأن عاش لها ولد لتهودنه، فلما أجليت بنو النضير إذا فيهم ناس من أبناء الأنصار، فقالت الأنصار:
يا رسول الله أبناؤنا! فأنزل الله: (لا إكراه في الدين) [البقرة: 156]. قال سعيد: فمن شاء لحق بهم ومن شاء دخل الاسلام، فلم يفرق فيما ذكر بين من دان باليهودية قبل نزول القرآن وبعده. وروى عبادة بن نسي عن غضيف بن الحارث: أن عاملا لعمر بن الخطاب كتب إليه أن ناسا من السامرة يقرؤون التوراة ويسبتون السبت ولا يؤمنون بالبعث، فما ترى؟ فكتب إليه عمر: " إنهم طائفة من أهل الكتاب ". وروى محمد بن سيرين عن عبيدة قال: سألت عليا عن ذبائح نصارى العرب، فقال: " لا تحل ذبائحهم
(٤٠٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 401 402 403 404 405 406 407 408 409 410 411 ... » »»