تقدم، وأبو يوسف ومحمد يقولان: إنه إذا ترك الأكل ثلاث مرات ثم اصطاد فأكل في مدة قريبة أو بعيدة لم يحرم ما تقدم من صيده، فيظهر موضع الخلاف بينهم ههنا.
قوله تعالى: (واذكروا اسم الله عليه). قال ابن عباس والحسن والسدي: " يعني على إرسال الجوارح ". قال أبو بكر: قوله: (واذكروا اسم الله عليه) أمر يقتضي الإيجاب، ويحتمل أن يرجع إلى الأكل المذكور في قوله: (فكلوا مما أمسكن عليكم)، ويحتمل أن يعود إلى الإرسال، لأن قوله: (وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله) قد تضمن إرسال الجوارح المعلمة على الصيد، فجائز عود الأمر بالتسمية إليه، ولولا احتماله لذلك لما تأوله السلف عليه. وإذا كان ذلك كذلك وقد تضمن الأمر بالذكر إيجابه واتفقوا أن الذكر غير واجب على الأكل، فوجب استعمال حكمه على الإرسال إذ كان مختلفا فيه، وإذا كانت التسمية واجبة على الإرسال صارت من شرائط الذكاة، كتعليم الجوارح وكون المرسل ممن تصح ذكاته وإسالة دم الصيد بما يجرح وله حد، فإذا تركها لم تصح ذكاته كما لا تصح ذكاته مع ترك ما ذكرنا من شرائط الذكاة. والذي تقتضيه الآية فساد الذكاة عند ترك التسمية عامدا، وذلك لأن الأمر لا يتناول الناسي، إذ لا يصح خطابه، فلذلك قال أصحابنا: إن ترك التسمية ناسيا لا يمنع صحة الذكاة، إذ هو غير مكلف بها في حال النسيان. وسنذكر إيجاب التسمية على الذبيحة عند قوله: (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه) [الأنعام: 121] إذا انتهينا إليه إن شاء الله.
وقد روي في التسمية على إرسال الكلب ما حدثنا محمد بن بكر قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا محمد بن كثير قال: حدثنا شعبة عن عبد الله بن أبي السفر عن الشعبي قال: قال عدي بن حاتم: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: أرسل كلبي؟ قال: " إذا سميت فكل وإلا فلا تأكل، وإن أكل منه فلا تأكل فإنما أمسك على نفسه ". وقال: أرسل كلبي فأجد عليه كلبا آخر؟ قال: " لا تأكل لأنك إنما سميت على كلبك " فنهاه عن أكل ما لم يسم عليه وما شاركه كلب آخر لم يسم عليه، فدل على أن من شرائط ذكاة الصيد التسمية على الإرسال. وهذا يدل أيضا على أن حال الإرسال بمنزلة حال الذبح في وجوب التسمية عليه.
وقد اختلف الفقهاء في أشياء من أمر الصيد، منها الاصطياد بكلب المجوسي، فقال أصحابنا ومالك والأوزاعي والشافعي: " لا بأس بالاصطياد بكلب المجوسي إذا كان معلما وإن كان الذي علمه مجوسيا بعد أن يكون الذي أرسله مسلما ". وقال الثوري:
" أكره الاصطياد بكلب المجوسي إلا أن يأخذه من تعليم المسلم ". قال أبو بكر: ظاهر