فإنهم لم يتعلقوا من دينهم بشئ إلا بشرب الخمر ". وروى عطاء بن السائب عن عكرمة عن ابن عباس قال: كلوا من ذبائح بني تغلب وتزوجوا من نسائهم، فإن الله تعالى قال في كتابه: (ومن يتولهم منكم فإنه منهم) [المائدة: 51] فلو لم يكونوا منهم إلا بالولاية كانوا منهم. ولم يفرق أحد من هؤلاء بين من دان بذلك قبل نزول القرآن وبعده، فهو إجماع منهم. ويدل على بطلان هذه المقالة من التفرقة بين من دان بدين أهل الكتاب قبل نزول القرآن أو بعده قول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم) [المائدة: 51]، وذلك إنما يقع على المستقبل، فأخبر تعالى بعد نزول القرآن أن من يتولاهم من العرب فهو منهم، وذلك يقتضي أن يكون كتابيا، لأنهم أهل الكتاب، وأن تحل ذبائحهم، لقوله تعالى: (وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم).
ومن الناس من يزعم أن أهل الكتاب هم بنو إسرائيل الذين ينتحلون اليهودية والنصرانية دون من سواهم من العرب والعجم الذين دانوا بدينهم، ولم يفرقوا في ذلك بين من دان بذلك قبل نزول القرآن وبعده، ويحتجون في ذلك بقوله: (ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة) [الجاثية: 16]، فأخبر أن الذين آتاهم الكتاب هم بنو إسرائيل، وبحديث عبيدة السلماني عن علي أنه قال: " لا تحل ذبائح نصارى العرب لأنهم لم يتعلقوا من دينهم بشئ إلا بشرب الخمر ". أما الآية فلا دلالة فيها على قولهم، لأنه إنما أخبر أنه آتي بني إسرائيل الكتاب ولم ينف بذلك أن يكون من انتحل دينهم في حكمهم. وقد قال ابن عباس: تحل ذبائحهم، لقوله تعالى: (لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم) [المائدة: 51]، فلو لم يكونوا منهم إلا بالولاية لكانوا منهم. وقول علي رضي الله عنه في ذلك وحظر ذبائح نصارى العرب ليس من جهة أنهم من غير بني إسرائيل، لكن من قبل أنهم غير متمسكين بأحكام تلك الشريعة، لأنه قال: إنهم لا يتعلقون من دينهم إلا بشرب الخمر، ولم يقل:
لأنهم ليسوا من بني إسرائيل، فقول من قال إن أهل الكتاب لا يكونون إلا من بني إسرائيل وإن دانوا بدينهم قول ساقط مردود.
وروى هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي عبيدة عن حذيفة عن عدي بن حاتم قال: أتينا النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا عدي بن حاتم أسلم تسلم! " فقلت له: إن لي دينا، فقال: " أنا أعلم بدينك منك " قلت: أنت أعلم بديني مني؟! قال:
" نعم! ألست ركوسيا؟ " قال: قلت بلى! قال: " ألست ترأس قومك؟ " قال: قلت بلى!
قال: " ألست تأخذ المرباع؟ " قال: قلت بلى! قال: " فإن ذلك لا يحل لك في دينك "