تأكل لأنك إنما سميت على كلبك ". فثبت بهذا الخبر مراد الله تعالى بقوله: (فكلوا مما أمسكن عليكم) ونص النبي صلى الله عليه وسلم على النهي عن أكل ما أكل منه الكلب.
فإن قيل: قد روى حبيب المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي ثعلبة الخشني: " فكل مما أمسك عليك الكلب " قال: فإن أكل منه؟ قال: " وإن أكل منه ". قيل له: هذا اللفظ غلط في حديث أبي ثعلبة، وذلك لأن حديث أبي ثعلبة قد رواه عنه أبو إدريس الخولاني وأبو أسماء وغيرهما فلم يذكرا فيه هذا اللفظ، وعلى أنه لو ثبت في حديث أبي ثعلبة كان حديث عدي بن حاتم أولى من وجهين: أحدهما من موافقته لظاهر الآية في قوله: (فكلوا مما أمسكن عليكم)، والثاني: ما فيه من حظر ما أكل منه الكلب، ومتى ورد خبران في أحدهما حظر شئ وفي الآخر إباحته فخبر الحضر أولاهما بالاستعمال.
مطلب: متى ورد خبران في حظر شئ وفي إباحته فالحاضر أولى فإن قيل: في معنى قوله: (فكلوا مما أمسكن عليكم) أن يحبسه علينا بعد قتله له، فهذا هو إمساكه علينا. فيقال له: هذا غلط، لأنه قد صار محبوسا بالقتل فلا يحتاج الكلب إلى أن يحبسه علينا بعد قتله، فهذا لا معنى له. فإن قيل: قتله هو حبسه علينا.
قيل له: هذا أيضا لا معنى له، لأنه يصير تقديره الآية على هذا: فكلوا مما قتلن عليكم، وهذا يسقط فائدة الآية، لأن إباحة ما قتلته قد تضمنته الآية قبل ذلك في قوله تعالى:
(وما علمتم من الجوارح)، وهو يعني صيد ما علمنا من الجوارح جوابا لسؤال من سأل عن المباح منه. وعلى أن الإمساك ليس بعبارة عن القتل، لأنه قد يمسكه علينا وهو حي غير مقتول، فليس إمساكه علينا إذا إلا أن يحبسه حتى يجئ صاحبه. ولا يخلو الإمساك علينا من أن يكون حبسه إياه علينا من غير قتل أو حبسه علينا بعد قتله، أو تركه للأكل منه بعد قتله، ومعلوم أنه لم يرد به حبسه علينا وهو حي غير مقتول لاتفاق الجميع على أن ذلك غير مراد، وأن حبسه علينا حيا ليس بشرط في إباحة أكله لأنه لو كان كذلك لكان لا يحل أكل ما قتله، ولا يجوز أيضا أن يكون المراد حبسه علينا بعد قتله وإن أكل منه، لأن ذلك لا معنى له، لأن الله تعالى جعل إمساكه علينا شرطا في الإباحة، ولا خلاف أنه لو قتله ثم تركه وانصرف عنه ولم يحبسه علينا أنه يجوز أكله، فعلمنا أن ذلك غير مراد، فثبت أن المراد تركه الأكل.
فإن قيل: قوله: (فكلوا مما أمسكن عليكم) يقتضي إباحة ما بقي من الصيد بعد أكله، لأنه قد أمسكه علينا إذا لم يأكله، وإنما لم يمسك علينا المأكول منه دون ما بقي