أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ٤٠٥
قال: حدثنا محمد بن سليمان عن مشمول عن عمرو بن تميم عن أبيه عن جده قال:
قلت: يا رسول إنا أهل بدو ونصيد بالكلاب المعلمة ونرمي الصيد، فما يحل لنا من ذلك وما يحرم علينا؟ قال: " إذا أرسلت كلبك المعلم وسميت فكل مما أمسك عليك أكل أو لم يأكل قتل أو لم يقتل، وإذا رميت الصيد فكل مما أصميت ولا تأكل مما أنميت "، فحظر ما أنمي، وهو غاب عنه. وهو محمول على ما غاب عنه وتراخى عن طلبه، لأنه لا خلاف أنه إذا كان في طلبه أكل. فإن قيل: فقد أباح في هذا الحديث أكل ما أكل منه الكلب، وهو خلاف قولكم. قيل له: قد عارضه حديث عدي بن حاتم، وقد تقدم الكلام فيه.
قوله تعالى: (اليوم أحل لكم الطيبات) فإنه جائز أن يريد به اليوم الذي نزلت فيه الآية، ويجوز أن يريد به اليوم الذي تقدم ذكره في موضعين، أحدهما قوله: (اليوم يئس الذين كفروا من دينكم)، والآخر قوله تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم) قيل: إنه يوم عرفة في عام حجة الوداع، وقيل: زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم كله، على ما قدمنا من اختلاف السلف فيه. والطيبات ههنا يجوز أن يريد بها ما استطبناه واستلذذناه ما عدا ما بين تحريمه في هذه الآيات وفي غيرها، فيكون عموما في إباحة جميع المتلذذات إلا ما قام دليل حظره. ويحتمل أن يريد بالطيبات ما أباحه لنا من سائر الأشياء التي ذكر إباحتها في غير هذا الموضع.
وقوله تعالى: (وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم). روي عن ابن عباس وأبي الدرداء والحسن ومجاهد وإبراهيم وقتادة والسدي: أنه ذبائحهم. وظاهره يقتضي ذلك، لأن ذبائحهم من طعامهم، ولو استعلمنا اللفظ على عمومه لانتظم جميع طعامهم من الذبائح وغيرها. والأظهر أن يكون المراد الذبائح خاصة، لأن سائر طعامهم من الخبز والزيت وسائر الأدهان لا يختلف حكمها بمن يتولاه، ولا شبهة في ذلك على أحد، سواء كان المتولي لصنعه واتخاذه مجوسيا أو كتابيا، ولا خلاف فيه بين المسلمين. وما كان منه غير مذكى لا يختلف حكمه في إيجاب حظره بمن تولى إماتته من مسلم أو كتابي أو مجوسي، فلما خص الله تعالى طعام أهل الكتاب بالإباحة وجب أن يكون محمولا على الذبائح التي يختلف حكمها باختلاف الأديان.
مطلب: في أكله عليه السلام من الشاة التي أهدتها إليه اليهودية من دون أن يسألها أهي ذبيحة مسلم أم يهودي وأيضا فإن النبي صلى الله عليه وسلم أكل من الشاة المسمومة المشوية التي أهدت إليه اليهودية ولم يسألها عن ذبيحتها أهي من ذبيحة المسلم أم اليهودي.
(٤٠٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 400 401 402 403 404 405 406 407 408 409 410 ... » »»