أما تكون الذكاة إلا في اللبة والنحر؟ فقال صلى الله عليه وسلم: " لو طعنت في فخذها لأجزأ عنك " وهذا على الحال التي لا يقدر فيها على ذبحها، إذ لا خلاف أن المقدور على ذبحه لا يكون ذلك ذكاته. ويدل على صحة قولنا من طريق النظر اتفاق الجميع على أن رمي الصيد يكون ذكاة له إذا قتله، ثم لا يخلو المعنى الموجب لكون ذلك ذكاة من أحد وجهين: إما أن يكون ذلك الجنس الصيد أو لأنه غير مقدور على ذبحه، فلما اتفقوا على أن الصيد إذا صار في يده حيا لم تكن ذكاته إلا بالذبح كذكاة ما ليس من جنس الصيد، دل ذلك على أن هذا الحكم لم يتعلق بجنسه وإنما تعلق بأنه غير مقدور على ذبحه في حال امتناعه، فوجب مثله في غيره إذا صار بهذه الحال لوجود العلة التي من أجلها كان ذلك ذكاة للصيد.
مطلب: في حكم الصيد إذا انقطع قطعتين واختلف الفقهاء في الصيد يقطع بعضه، فقال أصحابنا والثوري - وهو قول إبراهيم ومجاهد -: " إذا قطعه بنصفين أكلا جميعا، وإن قطع الثلث مما يلي الرأس أكل، فإن قطع الثلث الذي يلحق العجز أكل الثلثان الذي يلي الرأس ولا يؤكل الثلث الذي يلي العجز ". وقال ابن أبي ليلى والليث: " إذا قطع منه قطعة فمات الصيد مع الضربة أكلهما جميعا ". وقال مالك: " إذا قطع وسطه أو ضرب عنقه أكل، وإن قطع فخذه لم يأكل الفخذ وأكل الباقي ". وقال الأوزاعي: " إذا أبان عجزه لم يأكل ما انقطع منه ويأكل سائره، وإن قطعه بنصفين أكله كله ". وقال الشافعي: " إن قطعه قطعتين أكله وإن كانت إحداهما أقل من الأخرى، وإن قطع يدا أو رجلا أو شيئا يمكن أن يعيش بعده ساعة أو أكثر ثم قتله بعد رميته أكل ما لم يبن منه ولم يؤكل ما بان وفيه الحياة، ولو مات من القطع الأول أكلهما جميعا ".
قال أبو بكر: حدثنا محمد بن بكر قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا هاشم بن القاسم قال: حدثنا عبد الرحمن بن دينار عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي واقد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما قطع من البهيمة وهي حية فهو ميتة "، وهذا إنما يتناول قطع القليل منه من غير موضع الذكاة، وذلك لأنه لا خلاف أنه لو ضرب عنق الصيد فأبان رأسه كان الجميع مذكى، فثبت بذلك أن المراد ما بان منها من غير موضع الذكاة، وذلك إنما يتناول الأقل منه، لأنه إذا قطع النصف أو الثلث الذي يلي الرأس فإنه يقطع العروق التي يحتاج إلى قطعها للذكاة وهي الأوداج والحلقوم والمرئ فيكون الجميع مذكى، وإذا قطع الثلث مما يلي الذنب فإنه لا يصادف قطع العروق التي يحتاج إليها في شرط الذكاة فيكون ما بان منه ميتة لقوله صلى الله عليه وسلم: " ما بان من البهيمة وهي