أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ٣٥١
قوله تعالى: (ومن يكسب خطيئة أو إثما) فإنه قد قيل في الفرق بين الخطيئة والإثم: إن الخطيئة قد تكون من غير تعمد، والإثم ما كان عن عمد، فذكرهما جميعا ليبين حكمهما، وأنه سواء كان تعمد أو غير تعمد فإنه إذا رمى به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا، إذ غير جائز له رمي غيره بما لا يعلمه منه.
قوله تعالى: (لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة) الآية. قال أهل اللغة: النجوى هو الإسرار، فأبان تعالى أنه لا خير في كثير ما يتسارون به إلا أن يكون ذلك أمرا بصدقة أو أمرا بمعروف أو إصلاح بين الناس، وكل أعمال البر معروف لاعتراف العقول بها، لأن العقول تعترف بالحق من جهة إقرارها به والتزامها له وتنكر الباطل من جهة زجرها عنه وتبريها منه. ومن جهة أخرى سمى أعمال البر معروفا، وهو أن أهل الفضل والدين يعرفون الخير لملابستهم إياه وعلمهم به ولا يعرفون الشر بمثل معرفتهم بالخير لأنهم لا يلابسونه الله ولا يعلمون به، فسمى أعمال البر معروفا والشر منكرا. حدثنا عبد الباقي بن قانع قال: حدثنا إبراهيم بن عبد الله قال: حدثنا سهل بن بكار قال: حدثنا عبد السلام أبو الخليل عن عبيدة الهجيمي قال: قال أبو جري جابر بن سليم: ركبت قعودي ثم انطلقت إلى مكة فأنخت قعودي بباب المسجد، فإذا النبي صلى الله عليه وسلم جالس عليه بردان من صوف فيهما طرائق حمر، فقلت: السلام عليك يا رسول الله! فقال: " وعليك السلام " قلت: إنا معشر أهل البادية فينا الجفاء فعلمني كلمات ينفعني الله بها! فقال: " أدن! " ثلاثا. فدنوت فقال: " أعد علي! " فأعدت عليه، فقال: " اتق الله ولا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه منبسط وأن تفرغ من فضل دلوك في إناء المستسقي وإن امرؤ سبك بما يعلم منك فلا تسبه بما تعلم منه فإن الله جاعل لك أجرا وعليه وزرا، ولا تسبن شيئا مما خولك الله "، قال أبو جري:
والذي ذهب بنفسه ما سببت بعده شيئا لا شاة ولا بعيرا. وحدثنا عبد الباقي بن قانع قال:
حدثنا أحمد بن محمد بن مسلم الدقاق قال: حدثنا هارون بن معروف قال: حدثنا سعيد بن مسلمة عن جعفر عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اصنع المعروف إلى من هو أهله وإلى من ليس أهله، فإن أصبت أهله فهو أهله وإن لم تصب أهله فأنت
(٣٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 346 347 348 349 350 351 352 353 354 355 356 ... » »»