الطائفة التي لم تصل فيقومون مكانهم، وتأتي الطائفة الأخرى فيصلي بهم ركعة وسجدتين، ثم يتشهدون ويسلم ويقومون فيتمون لأنفسهم الركعة التي بقيت " قال ابن القاسم: كان مالك يقول: " لا يسلم الإمام حتى تتم الطائفة الثانية لأنفسها ثم يسلم بهم:
لحديث يزيد بن رومان، ثم رجع إلى حديث القاسم وفيه أن الإمام يسلم ثم تقوم الطائفة الثانية فيقضون. وقال الشافعي مثل قول مالك، إلا أنه قال: " الإمام لا يسلم حتى تتم الطائفة الثانية لأنفسها ثم يسلم بهم ". وقال الحسن بن صالح مثل قول أبي حنيفة، إلا أنه قال: " الطائفة الثانية إذا صلت مع الإمام وسلم الإمام قضت لأنفسها الركعة التي لم يصلوها مع الإمام، ثم تنصرف وتجئ الطائفة الأولى فتقضي بقية صلاتها ".
قال أبو بكر: أشد هذه الأقاويل موافقة لظاهر الآية قول أبي حنيفة ومحمد، وذلك لأنه تعالى قال: (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك)، وفي ضمن ذلك أن طائفة منهم بإزاء العدو، لأنه قال: (وليأخذوا أسلحتهم)، وجائز أن يكون مراده الطائفة التي بإزاء العدو وجائز أن يريد به الطائفة المصلية، والأولى أن يكون الطائفة التي بإزاء العدو لأنها تحرس هذه المصلية، وقد عقل من ذلك أنهم لا يكونون جميعا مع الإمام، لأنهم لو كانوا مع الإمام لما كانت طائفة منهم قائمة مع النبي صلى الله عليه وسلم بل يكونون جميعا معه، وذلك خلاف الآية.
ثم قال تعالى: (فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم) وعلى مذهب مالك يقضون لأنفسهم ولا يكونون من ورائهم إلا بعد القضاء. وفي الآية الأمر لهم بأن يكونوا بعد السجود من ورائهم، وذلك موافق لقولنا.
ثم قال: (ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك) فدل ذلك على معنيين، أحدهما: أن الإمام يجعلهم طائفتين في الأصل طائفة معه وطائفة بإزاء العدو على ما قال أبو حنيفة، لأنه قال: (ولتأت طائفة أخرى)، وعلى مذهب مخالفنا هي مع الإمام لا تأتيه. والثاني: قوله: (لم يصلوا فليصلوا معك)، وذلك يقتضي نفي كل جزء من الصلاة، ومخالفنا يقول يفتتح الجميع الصلاة مع الإمام فيكونون حينئذ بعد الافتتاح فاعلين لشئ من الصلاة، وذلك خلاف الآية. فهذه الوجوه التي ذكرنا من معنى الآية موافقة لمذهب أبي حنيفة ومحمد. وقولنا موافق للسنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم وللأصول، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:: إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا ركع فاركعوا وإذا سجد