ويوسف بن مهران عن ابن عباس، وكذلك روى يونس عن الحسن عن أبي موسى أنه فعله. وقول ابن عمر: " فقضى هؤلاء ركعة وهؤلاء ركعة " على أنهم قضوا على وجه يجوز القضاء، وهو أن ترجع الثانية إلى مقام الأولى وجاءت الأولى فقضت ركعة وسلمت ثم جاءت الثانية فقضت ركعة وسلمت. وقد بين ذلك في حديث خصيف عن أبي عبيدة عن عبد الله: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في حرة بني سليم صلاة الخوف، قام فاستقبل القبلة وكان العدو في غير القبلة، فصف معه صفا وأخذ صف السلاح واستقبلوا العدو، فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم والصف الذي معه، ثم ركع وركع الصف الذي معه، ثم تحول الصف الذين صفوا مع النبي صلى الله عليه وسلم فأخذوا السلاح، وتحول الآخرون فقاموا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فركع النبي صلى الله عليه وسلم وركعوا وسجد وسجدوا، ثم سلم النبي صلى الله عليه وسلم، فذهب الذين صلوا معه وجاء الآخرون فقضوا ركعة فلما فرغوا أخذوا السلاح، وتحول الآخرون وصلوا ركعة، فكان للنبي صلى الله عليه وسلم ركعتان وللقوم ركعة ركعة "، فبين في هذا الحديث انصراف الطائفة الثانية قبل قضاء الركعة الأولى، وهو معنى ما أجمله ابن عمر في حديثه. وقد روي في حديث عبد الله بن مسعود من رواية ابن فضيل عن خصيف عن أبي عبيدة عن عبد الله: " أن الطائفة الثانية قضت ركعة لأنفسها قبل قضاء الطائفة الأولى الركعة التي بقيت عليها "، والصحيح ما ذكرناه أولا، لأن الطائفة الأولى قد أدركت أول الصلاة والثانية لم تدرك، فغير جائز للثانية الخروج من صلاتها قبل الأولى، ولأنه لما كان من حكم الطائفة الأولى أن تصلي الركعتين في مقامين فكذلك حكم الثانية أن تقضيهما في مقامين لا في مقام واحد، لأن سبيل صلاة الخوف أن تكون مقسومة بين الطائفتين على التعديل بينهما فيها.
واحتج مالك بحديث رواه عن يزيد بن رومان عن صالح بن خوات مرسلا عن النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر فيه أن الطائفة الأولى صلت الركعة الثانية قبل أن يصليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا لم يروه أحد إلا يزيد بن رومان، وقد خولف فيه فروى شعبة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن صالح بن خوات عن سهل بن أبي حثمة: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بهم صلاة الخوف فصف صفا خلفه وصف مصاف العدو، فصلى بهم ركعة. ثم ذهب هؤلاء وجاء أولئك، فصلى بهم ركعة ثم قاموا فقضوا ركعة ركعة ". ففي هذا الحديث أن الطائفة الأولى لم تقض الركعة الثانية إلا بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلاته، وهذا أولى لما قدمناه من دلائل الأصول عليه. وقد روى يحيى بن سعيد عن القاسم عن صالح مثل رواية يزيد بن رومان. وفي حديث مالك عن يزيد بن رومان أن تلك الصلاة إنما كانت من رسول الله صلى الله عليه وسلم بذات الرقاع، وقد روى يحيى بن كثير عن أبي سلمة عن جابر قال: