أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ٣٢٤
فاسجدوا "، وقال: " إني امرؤ قد بدنت فلا تبادروني بالركوع ولا بالسجود ". ومن مذهب المخالف أن الطائفة الأولى تقضي صلاتها وتخرج منها قبل الإمام. وفي الأصول أن المأموم مأمور بمتابعة الإمام لا يجوز له الخروج منها قبله، وأيضا جائز أن يلحق الإمام سهو وسهوه يلزم المأموم ولا يمكن الخارجين من صلاته قبل فراغه أن يسجدوا.
ويخالف هذا القول الأصول من جهة أخرى، وهي اشتغال المأموم بقضاء صلاته والإمام قائم أو جالس تارك لأفعال الصلاة، فيحصل به مخالفة الإمام في الفعل وترك الإمام لأفعال الصلاة لأجل المأموم، وذلك ينافي معنى الاقتداء والائتمام ومنع الإمام من الاشتغال بالصلاة لأجل المأموم، فهذان وجهان أيضا خارجان من الأصول.
فإن قيل: جائز أن تكون صلاة الخوف مخصوصة بجواز انصراف الطائفة الأولى قبل الإمام كما جاز المشي فيها. قيل له: المشي له نظير في الأصول، وهو الراكب المنهزم يصلي وهو سائر بالاتفاق، فكان لما ذكرنا أصل متفق عليه، فجاز أن لا تفسد صلاة الخوف. وأيضا قد ثبت عندنا أن الذي سبقه الحدث في الصلاة ينصرف ويتوضأ ويبني، قد وردت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، روي ابن عباس وعائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" من قاء أو رعف في صلاته فلينصرف وليتوضأ وليبن على ما مضى من صلاته "، والرجل يركع ويمشي إلى الصف فلا تبطل صلاته، وركع أبو بكر حين دخل المسجد ومشى إلى الصف، فلما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم قال له: " زادك الله حرصا ولا تعد " ولم يأمره باستيناف الصلاة، فكان للمشي في الصلاة نظائر في الأصول وليس للخروج من الصلاة قبل فراغ الإمام نظير، فلم يجز فعله. وأيضا فإن المشي فيها اتفاق بيننا وبين مالك والشافعي، ولما قامت به الدلالة سلمناه لها، وما عدا ذلك فواجب حمله على موافقة الأصول حتى تقوم الدلالة على جواز خروجه عنها.
ومما يدل من جهة السنة على ما وصفنا ما حدثنا محمد بن بكر قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا مسدد قال: حدثنا يزيد بن زريع عن معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بإحدى الطائفتين ركعة والطائفة الأخرى مواجهة العدو، ثم انصرفوا وقاموا في مقام أولئك وجاء أولئك فصلى بهم ركعة أخرى، ثم سلم عليهم، ثم قام هؤلاء فقضوا ركعتهم وقام هؤلاء فقضوا ركعتهم "، قال أبو داود: وكذلك رواه نافع وخالد بن معدان عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال أبو داود: وكذلك قول مسروق
(٣٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 319 320 321 322 323 324 325 326 327 328 329 ... » »»