حدثنا أبو داود قال: حدثنا عبيد الله بن معاذ قال: حدثنا أبي قال: حدثنا الأشعث عن الحسن عن أبي بكرة قال: " صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في خوف الظهر، فصف بعضهم خلفه وبعضهم بإزاء العدو، فصلى ركعتين ثم سلم، فانطلق الذين صلوا فوقفوا موقف أصحابهم، ثم جاء أولئك فصلوا خلفه فصلى بهم ركعتين ثم سلم، فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أربعا ولأصحابه ركعتين ركعتين "، وبذلك كان يفتي الحسن، قال أبو داود: وكذلك رواه يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك رواه سليمان اليشكري عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال أبو بكر: وقد قدمنا قبل ذلك أن ابن عباس وجابرا رويا عن النبي صلى الله عليه وسلم " أنه صلى بكل طائفة ركعة ركعة، فكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتان ولكل طائفة ركعة " وأن هذا محمول عندنا على أنه كان ركعة في جماعة وفعلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذهب ابن أبي ليلى وأبو يوسف إذا كان العدو في القبلة إلى حديث أبي عياش الزرقي الذي ذكرناه.
وجائز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد صلى هذه الصلوات على الوجوه التي وردت به الروايات، وذلك لأنها لم تكن صلاة واحدة فتتضاد الروايات فيها وتتنافى، بل كانت صلوات في مواضع مختلفة، بعسفان في حديث أبي عياش الزرقي، وفي حديث جابر ببطن النخل، ومنها حديث أبي هريرة في غزوة نجد وذكر فيه أن الصلاة كانت بذات الرقاع، وصلاها في حرة بني سليم. ويشبه أن يكون قد صلى في بعض هذه المواضع عدة صلوات، لأن في بعض حديث جابر الذي يقول فيه: " إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بكل طائفة ركعتين " ذكر أنه كان بذات الرقاع، وفي حديث صالح بن خوات أيضا أنه صلاها بذات الرقاع، وهما مختلفان كل واحد منهما ذكر فيه من صفة صلاته خلاف صفة الأخرى، وكذلك حديث أبي عياش الزرقي ذكر أنه صلاها بعسفان، وذكر ابن عباس أيضا أنه صلاها بعسفان، فروى تارة نحو حديث أبي عياش وتارة على خلافه. واختلاف هذه الآثار يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم قد صلى هذه الصلوات على اختلافها على حسب ورود الروايات بها وعلى ما رآه النبي احتياطا في الوقت من كيد العدو وما هو أقرب إلى الحذر والتحرز على ما أمر الله تعالى به من أخذ الحذر في قوله: (وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة) ولذلك كان الاجتهاد سائغا في جميع أقاويل الفقهاء على اختلافها لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها، إلا أن الأولى عندنا ما وافق ظاهر الكتاب والأصول. وجائز أن يكون الثابت الحكم منها واحدا والباقي منسوخ، وجائز أن يكون الجميع ثابتا غير منسوخ توسعة وترفيها لئلا يحرج من ذهب إلى بعضها، ويكون الكلام في الأفضل منها كاختلاف الروايات في