أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ٣٣٤
على الوجه الذي بينا، ويحتمل أن يريد بها الظهر والمغرب والفجر وذلك لأنه جائز أن يريد بقوله: (إلى غسق الليل) [الإسراء: 78] أقم الصلاة مع غسق الليل، كقوله تعالى: (ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم) [النساء: 2] ومعناه: مع أموالكم، ويكون غسق الليل حينئذ وقتا لصلاة المغرب. ويجوز أن يريد به وقت صلاة العتمة، وقد روى ليث عن مجاهد عن ابن عباس أنه كان يقول: " دلوك الشمس حين تزول إلى غسق الليل حين تجب الشمس "، قال: ابن مسعود: " دلوك الشمس حين تجب إلى غسق الليل حين يغيب الشفق ". وعن عبد الله أيضا أنه لما غربت الشمس قال: " هذا غسق الليل ". وعن أبي هريرة: " غسق الليل غيبوبة الشمس ". وقال الحسن: " غسق الليل صلاة المغرب والعشاء ". وقال إبراهيم النخعي: " غسق الليل العشاء الآخرة ". وعن أبي جعفر: " غسق الليل انتصافه ". وروى مالك عن داود بن الحصين قال: أخبرني مخبر عن ابن عباس أنه كان يقول: " غسق الليل اجتماع الليل وظلمته ". فهذه الآية فيها احتمال للوجوه التي ذكرنا من مواقيت الصلوات.
وقال تعالى: (أقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل) [هود: 114]، روى عمرو عن الحسن في قوله تعالى: (طرفي النهار) [هود: 114] قال: " صلاة الفجر، والأخرى الظهر والعصر " (وزلفا من الليل) [هود: 114] قال: " المغرب والعشاء ".
فعلى هذا القول قد انتظمت الآية الصلوات الخمس. وروى يونس عن الحسن: (أقم الصلاة طرفي النهار) [هود: 114] قال: " الفجر والعصر ". وروى ليث عن الحكم عن أبي عياض قال: قال ابن عباس: " جمعت هذه الآية مواقيت الصلاة: (فسبحان الله حين تمسون) [الروم: 17] المغرب والعشاء (وحين تصبحون) [الروم: 17] الفجر وعشيا) [الروم: 18] العصر (وحين تظهرون) [الروم: 18] الظهر ". وعن الحسن مثله. وروى أبو رزين عن ابن عباس: (وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب) [ق: 39] قال: " الصلاة المكتوبة " وقال: (وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى) [طه: 130].
وهذه الآية منتظمة لأوقات الصلوات أيضا.
فهذه الآيات كلها فيها ذكر أوقات الصلوات من غير تحديد لها، إلا فيما ذكر من الدلوك فإنه جعله أول وقت لتلك الصلاة، ووقت الزوال والغروب معلومان، وقوله تعالى: (إلى غسق الليل) [الإسراء: 78] ليس فيه بيان نهاية الوقت بلفظ غير محتمل للمعاني، وقوله: (حين تمسون) [الروم: 17] إن أراد به المغرب كان معلوما، وكذلك (تصبحون) [الروم: 17]، لأن وقت الصبح معلوم، وقوله: (طرفي النهار) [هود:
(٣٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 329 330 331 332 333 334 335 336 337 338 339 ... » »»