ذراريهم، جاز لهم مهادنة العدو ومصالحته من غير جزية يؤدونها إليهم، لأن حظر المعاهدة والصلح إنما كان بسبب قوتهم على العدو واستعلائهم عليهم، وقد كانت الهدنة جائزة مباحة في أول الاسلام وإنما حظرت لحدوث هذا السبب، فمتى زال السبب وعاد الأمر إلى الحال التي كان المسلمون عليها من خوفهم العدو على أنفسهم عاد الحكم الذي كان من جواز الهدنة، وهذا نظير ما ذكرنا من نسخ التوارث بالحلف والمعاقدة بذوي الأرحام، فمتى لم يترك وارثا عاد التوارث بالمعاقدة.
قوله عز وجل: (أو جاؤوكم حصرت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم)، قال الحسن والسدي: " ضاقت صدورهم على أن يقاتلوكم ". والحصر الضيق، ومنه الحصر في القراءة لأنه ضاقت عليه المذاهب فلم يتوجه لقراءته، ومنه المحصور في حبس أو نحوه. وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد: قال هلال بن عويمر الأسلمي: " هو الذي حصر صدره أن يقاتل المسلمين أو يقاتل قومه وبينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم حلف ".
قال أبو بكر: ظاهره يدل على أن الذين حصرت صدورهم كانوا قوما مشركين مخالفين للنبي صلى الله عليه وسلم ضاقت صدورهم أن يكونوا مع قومهم على المسلمين لما بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم من العهد وأن يقاتلوا مع المسلمين ذوي أرحامهم وأنسابهم، فأمر الله تعالى:
المسلمين بالكف عن هؤلاء إذا اعتزلوهم فلم يقاتلوا المسلمين وإن لم يقاتلوا المشركين مع المسلمين. ومن الناس من يقول إن هؤلاء كانوا قوما مسلمين كرهوا قتال قومهم من المشركين لما بينهم وبينهم من الرحم، وظاهر الآية وما روي في تفسيرها يدل على خلاف ذلك، لأن المسلمين لم يقاتلوا المسلمين قط في زمان النبي صلى الله عليه وسلم وإن قعدوا عن القتال معهم ولا كانوا قط مأمورين بقتال أمثالهم.
وقوله تعالى: (ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم) يعني إن قاتلتموهم ظالمين لهم، يدل على أنهم لم يكونوا مسلمين.
وقوله تعالى: (فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا) يقتضي أن يكونوا مشركين، إذ ليس ذلك من صفات أهل الاسلام، فدل ذلك على أن هؤلاء كانوا قوما مشركين بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم حلف، فأمر الله تعالى نبيه أن يكف عنهم إذا اعتزلوا قتال المسلمين والمشركين وأن لا يكلفهم قتال قومهم من أهل الشرك أيضا. والتسليط المذكور في الآية له وجهان، أحدهما: تقوية قلوبهم ليقاتلوكم، والثاني: إباحة القتال لهم في الدفع عن أنفسهم.
قوله تعالى: (ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم)، قال مجاهد: