أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ٢٣٣
مصرف عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله: (والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم) قال: كان المهاجر يرث الأنصاري دون ذوي رحمه بالأخوة التي آخى الله بينهم، فلما نزلت (ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون) نسخت، ثم قرأ:
(والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم)، قال: من النصر والرفادة، ويوصي له، وقد ذهب الميراث. وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم) قال: كان الرجل يعاقد الرجل أيهما مات ورثه الآخر، فأنزل الله تعالى:
(وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا) [الأحزاب: 6]، يقول: إلا أن يوصوا لأوليائهم الذين عاقدوا لهم وصية، فهو لهم جائز من ثلث مال الميت، فذلك المعروف. وروى أبو بشر عن سعيد بن جبير في قوله تعالى: (والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم) قال: كان الرجل يعاقد الرجل في الجاهلية فيموت فيرثه، فعاقد أبو بكر رجلا فمات فورثه. وقال سعيد بن المسيب: هذا في الذين كانوا يتبنون رجالا ويورثونهم، فأنزل الله فيهم أن يجعل لهم من الوصية، ورد الميراث إلى الموالي من ذوي الرحم والعصبة.
قال أبو بكر: قد ثبت بما قدمنا من قول السلف أن ذلك كان حكما ثابتا في الاسلام، وهو الميراث بالمعاقدة والموالاة، ثم قال قائلون: إنه منسوخ بقوله: (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) [الأحزاب: 6]. وقال آخرون: ليس بمنسوخ من الأصل، ولكنه جعل ذوي الأرحام أولى من موالي المعاقدة، فنسخ ميراثهم في حال وجود القرابات وهو باق لهم إذا فقد الأقرباء على الأصل الذي كان عليه.
واختلف الفقهاء في ميراث موالي الموالاة، فقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر: " من أسلم على يدي رجل ووالاه وعاقده ثم مات ولا وارث له غيره فميراثه له ".
وقال مالك وابن شبرمة والثوري والأوزاعي والشافعي: " ميراثه للمسلمين ". وقال يحيى بن سعيد: " إذا جاء من أرض العدو فأسلم على يده فإن ولاءه لمن والاه، ومن أسلم من أهل الذمة على يدي رجل من المسلمين فولاؤه للمسلمين عامة ". وقال الليث بن سعد: " من أسلم على يدي رجل فقد والاه وميراثه للذي أسلم على يده إذا لم يدع وارثا غيره ".
قال أبو بكر: الآية توجب الميراث للذي والاه وعاقده على الوجه الذي ذهب إليه أصحابنا، لأنه كان حكما ثابتا في أول الاسلام، وحكم الله به في نص التنزيل، ثم قال:
(وألوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين) [الأحزاب: 6] فجعل ذوي الأرحام أولى من المعاقدين الموالي، فمتى فقد ذوو الأرحام
(٢٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 228 229 230 231 232 233 234 235 236 237 238 ... » »»