أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ٢٤٤
أنه يغسلهما ويتبعهما ويدفنهما، لأن ذلك من الصحبة بالمعروف التي أمره الله بها.
فإن قال قائل: ما معنى قوله تعالى: (وبالوالدين إحسانا) وما ضميره؟ قيل له:
يحتمل: استوصوا بالوالدين إحسانا، ويحتمل: وأحسنوا بالوالدين إحسانا.
وقوله تعالى: (وبذي القربى) أمر بصلة الرحم والإحسان إلى القرابة، على نحو ما ذكره في أول السورة في قوله تعالى: (والأرحام)، فبدأ تعالى في أول الآية بتوحيده وعبادته، إذ كان ذلك هو الأصل الذي به يصح سائر الشرائع والنبوات وبحصوله يتوصل إلى سائر مصالح الدين، ثم ذكر تعالى ما يجب للأبوين من الإحسان إليهما وقضاء حقوقهما وتعظيمهما، ثم ذكر الجار ذا القربى وهو قريبك المؤمن الذي له حق القرابة وأوجب له الدين الموالاة والنصرة، ثم ذكر الجار الجنب وهو البعيد منك نسبا إذا كان مؤمنا فيجتمع حق الجوار وما أوجبه له الدين بعصمة الملة وذمة عقد النحلة. وروي عن ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك قالوا: " الجار ذو القربى القريب في النسب ". وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " الجيران ثلاثة. فجار له ثلاثة حقوق حق الجوار وحق القرابة وحق الاسلام، وجار له حقان حق الجوار وحق الاسلام، وجار له حق الجوار المشرك من أهل الكتاب ".
وقوله تعالى: (والصاحب بالجنب) روي فيه عن ابن عباس في إحدى الروايتين وسعيد بن جبير والحسن ومجاهد وقتادة والسدي والضحاك: " أنه الرفيق في السفر ".
وروي عن عبد الله بن مسعود وإبراهيم وابن أبي ليلى: " أنه الزوجة "، ورواية أخرى عن ابن عباس: " أنه المنقطع إليك رجاء خيرك ". وقيل: " هو جار البيت دانيا كان نسبه أو نائيا إذا كان مؤمنا ".
قال أبو بكر: لما كان اللفظ محتملا لجميع ذلك وجب حمله عليه وأن لا يخص منه شئ بغير دلالة، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه ". وروى سفيان عن عمرو بن دينار عن نافع بن جبير بن مطعم عن أبي شريح الخزاعي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ". وروى عبيد الله الوصافي عن أبي جعفر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما آمن من أمسى شبعان وأمسي جاره جائعا ". وروى عمر بن هارون الأنصاري عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أشراط الساعة سوء
(٢٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 239 240 241 242 243 244 245 246 247 248 249 ... » »»