أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ٢٢٨
موجبا لنفي اسم البيع عنه لأنه قال: " كل بيعين فلا بيع بينهما حتى يفترقا إلا بيع الخيار "؟
فجعل بيع الخيار بيعا، فلو أراد بقوله: " كل بيعين فلا بيع بينهما حتى يفترقا " حال وقوع الإيجاب والقبول لما نفى البيع بينهما لأجل خيار المجلس كما لم ينفه إذا كان فيه خيار مشروط بل أثبته وجعله بيعا، فدل ذلك على أن قوله: " كل بيعين فلا بيع بينهما حتى يفترقا " إنما أراد به المتساومين في البيع، وأفاد ذلك أن قوله: " اشتر مني " أو قول المشتري " بعني " ليس ببيع حتى يفترقا بأن يقول البائع " قد بعت " ويقول المشتري " قد اشتريت " فيكونا قد افترقا وتم البيع، ووجب أن لا يكون فيه خيار مشروط فيكون ذلك بيعا وإن لم يفترقا بأبدانهما بعد حصول الافتراق فيهما بالإيجاب والقبول. وأكثر أحوال ما روي من قوله: " المتبايعان بالخيار ما لم يفترقا " احتماله لما وصفنا ولما قال مخالفنا، وغير جائز الاعتراض على ظاهر القرآن بالاحتمال بل الواجب حمل الحديث على موافقة القرآن ولا يحمل على ما يخالفه.
ويدل من جهة النظر على ما وصفنا اتفاق الجميع على أن النكاح والخلع والعتق على مال والصلح من دم العمد إذا تعاقداه بينهما صح بالإيجاب والقبول من غير خيار يثبت لواحد منهما، والمعنى فيه الإيجاب والقبول فيما يصح العقد عليه من غير خيار مشروط.
وقوله عز وجل: (ولا تقتلوا أنفسكم) قال عطاء والسدي: " لا يقتل بعضكم بعضا ". قال أبو بكر: هو نظير قوله تعالى: (ولا تقتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقتلوكم فيه) [البقرة: 191] ومعناه: يقتلوا بعضكم. وتقول العرب: قتلنا ورب الكعبة، إذا قتل بعضهم. وقيل: إنما حسن ذلك لأنهم أهل دين واحد فهم كالنفس الواحدة، فلذلك قال: (ولا تقتلوا أنفسكم) وأراد قتل بعضكم بعضا. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم: " أن المؤمنين كالنفس الواحدة إذا ألم بعضه تداعى سائره بالحمى والسهر "، وقال: " المؤمنون كالبنيان يشد بعضه بعضا ". فكان تقديره: ولا يقتل بعضكم بعضا في أكل أموالكم بالباطل ولا غيره مما هو محرم عليكم، وهو كقوله تعالى: (فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم) [النور: 61]. ولا تقتلوا أنفسكم في طلب المال، وذلك بأن يحمل نفسه على الغرر المؤدي إلى التلف. ويحتمل: ولا تقتلوا أنفسكم في حال غضب أو ضجر. وجائز أن تكون هذه المعاني كلها مرادة لاحتمال اللفظ لها.
(٢٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 223 224 225 226 227 228 229 230 231 232 233 ... » »»