أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ٢٣١
ومجاهد وقتادة: " الموالي ههنا العصبة ". وقال السدي: " الموالي الورثة ". وقيل: إن أصل المولى من ولي الشئ يليه، وهو اتصال الولاية في التصرف. قال أبو بكر: المولى لفظ مشترك ينصرف على وجوه، فالمولى المعتق لأنه ولي نعمة في عتقه، ولذلك سمي مولى النعمة. والمولى العبد المعتق لاتصال ولاية مولاه به في إنعامه عليه، وهذا كما يسمى الطالب غريما لأن له اللزوم والمطالبة بحقه ويسمى المطلوب غريما لتوجه المطالبة عليه وللزوم الدين إياه. والمولى العصبة، والمولى الحليف، لأن المحالف يلي أمره بعقد اليمين، والمولى ابن العم، لأنه يليه بالنصرة للقرابة التي بينهما. والمولى الولي، لأنه يلي بالنصرة. وقال تعالى: (ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم) [محمد: 11] أي يليهم بالنصرة ولا ناصر للكافرين يعتد بنصرته. ويروى للفضل بن العباس:
مهلا بني عمنا مهلا موالينا * لا تظهرن لنا ما كان مدفونا فسمى بني العم موالي. والمولى مالك العبد، لأنه يليه بالملك والتصرف والولاية والنصر والحماية. فاسم المولى ينصرف على هذه الوجوه، وهو اسم مشترك لا يصح اعتبار عمومه، ولذلك قال أصحابنا فيمن أوصى لمواليه وله موال أعلى وموال أسفل: إن الوصية باطلة لامتناع دخولهما تحت اللفظ في حال واحدة، وليس أحدهما بأولى من الآخر، فبطلت الوصية. وأولى الأشياء بمعنى المولي ههنا العصبة لما روى إسرائيل عن أبي حصين عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أنا أولى بالمؤمنين، من مات وترك مالا فماله للموالي العصبة، ومن ترك كلا أو ضياعا فأنا وليه ". وروى معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اقسموا المال بين أهل الفرائض، فما أبقت السهام فلأولى رجل ذكر "، وروى: " فلأولى عصبة ذكر "، وفيما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في تسمية الموالي عصبة. وقوله: " فلأولى عصبة ذكر " ما يدل على أن المراد بقوله: (ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون) هم العصبات، ولا خلاف بين الفقهاء أن ما فضل عن سهام ذوي السهام فهو لأقرب العصبات إلى الميت.
والعصبات هم الرجال الذي تتصل قرابتهم إلى الميت بالبنين والآباء، مثل الجد والإخوة من الأب والأعمام وأبنائهم، وكذلك من بعد منهم بعد أن يكون الذي يصل بينهم البنون والآباء، إلا الأخوات فإنهن عصبة مع البنات خاصة. وإنما يرث من العصبات الأقرب فالأقرب ولا ميراث للأبعد مع الأقرب، ولا خلاف أن من لا يتصل نسبه بالميت إلا من
(٢٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 226 227 228 229 230 231 232 233 234 235 236 ... » »»