أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ١٥٢
فيكون الوطء المحرم فيها بمنزلة الوطء الحلال في إيجاب التحريم، فلما لم يصح وجود ذلك في الرجل على الوجه المباح ولا يجوز أن يملك ذلك بالعقد منه لم يتعلق به حكم التحريم، ألا ترى أنه لو لمس الرجل بشهوة لا يتعلق به حكم في إيجاب تحريم الأم والبنت؟ واللمس بمنزلة الوطء في المرأة عند الجميع فيما يتعلق به حكم التحريم، فلما اتفق الجميع على أن اللمس لا حكم له في الرجل في حكم تحريم الأم والبنت كان كذلك ما سواه من الوطء، وفي ذلك الدلالة من وجهين على صحة ما ذكرنا، أحدهما: أن لمس الرجل للرجل لشهوة لما لم يكن مما يصح أن يملك بعقد النكاح ولم يتعلق به تحريم كان كذلك حكم الوطء، إذ لا يصح أن يملك بعقد النكاح. والثاني: أن اللمس عند الجميع في المرأة حكمه حكم الوطء، ألا ترى أن الجميع متفقون على أن لمس المرأة الزوجة يحرم بنتها كما يحرمها الوطء؟ وكذلك لمس الجارية بملك اليمين يوجب من التحريم ما يوجبه الوطء، وكذلك من حرم بوطء الزنا حرم باللمس، فلما لم يكن لمس الرجل موجبا للتحريم وجب أن يكون كذلك حكم وطئه لاستوائهما في المرأة.
قال أبو بكر: واتفق أصحابنا والثوري ومالك والأوزاعي والليث والشافعي أن اللمس لشهوة بمنزلة الجماع في تحريم أم المرأة وبنتها، فكل من حرم بالوطء الحرام أوجبه باللمس إذا كان لشهوة، ومن لو يوجبه بالوطء الحرام لم يوجبه باللمس لشهوة، ولا خلاف أن اللمس المباح في الزوجة وملك اليمين يوجب تحريم الأم والبنت إلا شيئا يحكى عن ابن شبرمة أنه قال: " لا تحرم باللمس وإنما تحرم بالوطء الذي يوجب مثله الحد "، وهو قول شاذ قد سبقه الاجماع بخلافه.
واختلف الفقهاء في النظر هل يحرم أم لا، فقال أصحابنا جميعا: " إذا نظر إلى فرجها لشهوة كان ذلك بمنزلة اللمس في إيجاب التحريم، ولا يحرم النظر للشهوة إلى غير الفرج ". وقال الثوري: " إذا نظر إلى فرجها متعمدا حرمت عليه أمها وابنتها " ولم يشترط أن يكون لشهوة. وقال مالك: " إذا نظر إلى شعر جاريته أو صدرها أو ساقها أو شئ من محاسنها تلذذا حرمت عليه أمها وابنتها ". وقال ابن أبي ليلى والشافعي: " النظر لا يحرم ما لم يلمس ".
قال أبو بكر: روى جرير بن عبد الحميد عن حجاج عن أبي هانئ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من نظر إلى فرج امرأة حرمت عليه أمها وابنتها ". وروى حماد عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال: " لا ينظر الله إلى رجل نطر إلى فرج امرأة وابنتها ".
وروى الأوزاعي عن مكحول: " أن عمر جرد جارية له، فسأله إياها بعض ولده، فقال:
إنها لا تحل لك ". وروى حجاج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: " أنه جرد جارية
(١٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 147 148 149 150 151 152 153 154 155 156 157 ... » »»