أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ١٥١
فقال: ما بين لنا أحد بيانك لنا، ولو علم صاحبنا به لظننت أنه لا يقيم على قوله ولكن غفل وضعف عن كلامه، قال: فرجع عن قولهم وقال الحق عندي في قولكم ولم يصنع صاحبنا شيئا ". ولا ندري من كان هذا السائل ولا من صاحبهم الذي قال لو علم صاحبنا بهذه الفروق لظن أنه لا يقيم على قوله، وقد بان عمى قلب هذا السائل بتسليمه للشافعي جميع ما ادعاه من غير مطالبة له بوجه الدلالة على المسألة فيما ذكر، وجائز أن يكون رجلا عاميا لم يرتض بشئ من الفقه، إلا أنه قد انتظم بذلك شيئين: أحدهما الجهل والغباوة بما وقفنا عليه من مناظرته وتسليمه ما لا يجوز تسليمه ومطالبته للمسؤول بالفروق التي لا توجب فرقا في معاني العلل والمقايسات، ثم انتقاله بمثل ذلك إلى مذهبه على ما زعم وتركه لقول أصحابه، والآخر: قلة العقل، وذلك أنه ظن أن صاحبه لو سمع بمثل ذلك رجع عن قوله، فقضى بالظن على غيره فيما لا يعلم حقيقته.
وسرور الشافعي بمناظرة مثله وانتقاله إلى مذهبه يدل على أنهما كانا متقاربين في المناظرة، وإلا فلو كان عنده في معنى المبتدئ والمغفل العامي لما أثبت مناظرته إياه في كتابه، ولو كلم بذلك المبتدؤون من أحداث أصحابنا لما خفى عليهم عوار هذا الحجاج وضعف السائل والمسؤول فيه.
وقد ذكر الشافعي أنه قال لمناظره: " جعلت الفرقة إلى المرأة بتقبيلها ابن زوجها والله لم يجعل الفرقة إليها؟ قال: فقال: فأنت تزعم أنها تحرم على زوجها إذا ارتدت؟
قال: قلت: وأقول إن رجعت وهي في العدة فهما على النكاح، أفتزعم أنت في التي تقبل ابن زوجها مثله؟ قال: لا ". قال أبو بكر: فأنكر على خصمه وقوع التحريم من قبل المرأة، ثم قال هو بها وجعل إليها الرجعة كما جعل إليها التحريم. ثم قال الشافعي:
" فأقول إن مضت المدة فرجعت إلى الاسلام كان لزوجها أن ينكحها، أفتزعم في التي تقبل ابن زوجها مثله؟ قال: والمرتدة تحرم على الناس كلهم حتى تسلم، وتقبيل ابن الزوج ليس كذلك ". قال أبو بكر: فناقض على أصله فيما أنكره على خصمه، ثم أخذ في ذكر الفروق على النحو الذي مضى من كلامه، ولم أذكر ذلك لأن في مثله شبهة على من ارتاض بشئ من النظر ولكن لأبين مقادير علوم مخالفي أصحابنا ومحلهم من النظر.
وأما ما حكى عن عثمان البتي في فرقه بين الزنا بأم المرأة بعد التزويج وقبله فلا معنى له، لأن ما يوجب تحريما مؤبدا لا يختلف في إيجابه ذلك بعد التزويج وقبله، والدليل عليه أن الرضاع لما كان موجبا للتحريم المؤبد لم يختلف حكمه في إيجابه ذلك قبل التزويج وبعده، وإنما قال أصحابنا: إن فعل ذلك بالرجل لا يحرم عليه أمه ولا بنته، من قبل أن هذه الحرمة إنما هي متعلقة بمن يصح عقد النكاح عليها ويجوز أن تملك به،
(١٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 146 147 148 149 150 151 152 153 154 155 156 ... » »»