أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ١١٨
يقول الله تعالى: (إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك) [النساء:
176] وأنتم تجعلون لها مع الولد النصف!.
قال أبو بكر: مما يحتج به للقول الأول قوله تعالى: (للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا)، فظاهره يقتضي توريث الأخت مع البنت، لأن أخاها الميت هو من الأقربين، وقد جعل الله ميراث الأقربين للرجال والنساء. ويحتج فيه بحديث أبي قيس الأودي عن هزيل بن شرحبيل عن عبد الله بن مسعود: " أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في بنت وبنت ابن وأخت لأب وأم أن للبنت النصف ولبنت الابن السدس تكملة الثلثين وما بقي فللأخت، فأعطى للأخت بقية المال بعد السهام وجعلها عصبة مع البنت ". وأما احتجاج من يحتج في ذلك بأن الله تعالى إنما جعل لها النصف إذا لم يكن ولد، ولا يجوز أن يجعل لها النصف مع الولد، فإنه غير لازم من قبل أن الله تعالى نص على سهمها عند عدم الولد ولم ينف ميراثها مع وجوده، وتسميته لها النصف عند عدم الولد لا دلالة فيه على سقوط حقها إذا كان هناك ولد إذ لم يذكر هذه الحال بنفي الميراث ولا بإيجابه، فهو موقوف على دليله.
ومع ذلك فإن معناه: إن امرؤ هلك وليس له ولد ذكر، بدلالة قوله تعالى في نسق التلاوة: (وهو يرثها) يعني الأخ يرث الأخت (إن لم يكن لها ولد) معناه عند الجميع:
إن لم يكن لها ولد ذكر، إذ لا خلاف بين الصحابة أنها إذا تركت ولدا أنثى وأخا أن للبنت النصف والباقي للأخ، والولد المذكور ههنا هو المذكور بديا في أول الآية. وأيضا قال الله تعالى: (ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد) ومعناه عند الجميع: إن كان له ولد ذكر، لأنه لا خلاف بين الصحابة ومن بعدهم من الفقهاء أنه لو ترك ابنة وأبوين أن للبنت النصف وللأبوين السدسان والباقي للأب، فيأخذ الأب في هذه الحال مع الولد الأنثى أكثر من السدس، وأن قوله تعالى: (ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد) على أنه ولد ذكر، وكذلك لو ترك أبا وبنتا كان للبنت النصف وللأب النصف، فقد أخذ في هاتين المسألتين أكثر من السدس مع الولد.
قال أبو بكر: وشذت طائفة من الأمة فزعمت أنه إذا ترك بنتا وأختا كان المال كله للبنت، وكذلك البنت والأخ. وهذا قول خارج عن ظاهر التنزيل واتفاق الأمة، قال الله تعالى: (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف)، فنص على سهم البنت وسهم ما فوق الثنتين، وجعل لها إذا انفردت النصف وإذا ضامها غيرها الثلثين لهما جميعا، فغير جائز أن تعطى أكثر منه إلا بدلالة.
(١١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 113 114 115 116 117 118 119 120 121 122 123 ... » »»