أن وصيته بالزكاة والنذور وسائر القرب وإن كانت واجبة لا تجوز إلا من الثلث، والله أعلم.
باب الوصية للوارث حدثنا محمد بن بكر قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا عبد الوهاب بن نجدة قال:
حدثنا ابن عياش عن شرحبيل بن مسلم قال: سمعت أبا أمامة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث ". وروى عمرو بن خارجة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لا وصية لوارث إلا أن تجيزها الورثة ". ونقل أهل السير خطبة النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وفيها: " أن لا وصية لوارث "، فورد نقل ذلك مستفيضا كاستفاضة وجوب الاقتصار بالوصية على الثلث دون ما زاد، لا فرق بينهما من طريق نقل الاستفاضة واستعمال الفقهاء له وتلقيهم إياه بالقبول. وهذا عندنا في حيز المتواتر الموجب للعلم والنافي للريب والشك. وقوله في حديث عمرو بن خارجة: " إلا أن تجيزها الورثة " يدل على أنها إذا أجازتها فهي جائزة، وتكون وصية من قبل الموصي لا تكون هبة من قبل الوارث، لأن الهبة من قبل الوارث ليست بإجازة من قبل الموروث.
وحدثنا عبد الباقي قال: حدثنا عبد الله بن عبد الصمد قال: حدثنا محمد بن عمرو قال:
حدثنا يونس بن راشد عن عطاء الخراساني عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا وصية لوارث إلا أن تشاء الورثة ".
قال أبو بكر: وقد اختلف الفقهاء فيمن أوصى بأكثر من الثلث فأجازه الورثة في حياته أو أوصى لبعض ورثته فأجاز الباقون في حياته، فقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر والحسن بن زياد والحسن بن صالح وعبيد الله بن الحسن والشافعي: " لا يجوز ذلك حتى يجيزوها بعد الموت ". وقال ابن أبي ليلى وعثمان البتي: " ليس لهم أن يرجعوا فيه بعد الموت وهي جائزة عليهم ". وقال ابن القاسم عن مالك: " إذا استأذنهم فكل وارث بائن عن الميت مثل الولد الذي قد بان عن أبيه والأخ وابن العم الذين ليسوا في عياله فإنه ليس لهم أن يرجعوا، فأما امرأته وبناته اللاتي لم يبن وكل من في عياله وإن كان قد احتلم فلهم أن يرجعوا، وكذلك العم وابن العم ومن خاف منهم أنه إن لم يجز لحقه ضرر منه في قطع النفقة إن صح، فلهم أن يرجعوا ". وقول الليث في هذا كقول مالك. قال أبو بكر: وإن أجازوها بعد الموت جازت عند جميع الفقهاء. قال أبو بكر:
لما لم يكن لهم فسخها في الحياة كذلك لا تعمل إجازتهم، لأنهم لم يستحقوا بعد شيئا، والله أعلم.