والأمر الثاني يتعلق بعدم التأثر لفقدانها.
وقد جاء ما يشبه هذا المضمون في الآية (131) من سورة طه حيث يقول جل وعلا بتفصيل أكثر: ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى.
والأمر الثالث: جاء بخصوص ضرورة اللين والتواضع مع المؤمنين حيث يقول: واخفض جناحك للمؤمنين.
إن هذا التعبير، كناية جميلة عن التواضع والمحبة والملاطفة، فالطيور حينما تريد إظهار حنانها لفراخها تجعلها تحت أجنحتها بعد خفضها، فتجسم بذلك أعلى صور العاطفة والحنان وتحفظهم من الحوادث والأعداء، وتحميهم من التشتت.
والتعبير المذكور عبارة عن كناية مختصرة بليغة ذات مغزى ومعان كثيرة جدا.
ويمكن أن يحمل ذكر هذه الجملة بعد الأوامر الثلاثة المتقدمة إشارة تحذير بعدم إظهار التواضع والإنكسار أمام الكفار المتنعمين بزهو الحياة الدنيا، بل لابد للتواضع والحب والعاطفة الفياضة لمن آمن وإن كان محروما من مال الدنيا.
ونصل إلى الأمر الرابع: وقل لهؤلاء الكفرة المنعمين بكل حزم إني أنا النذير المبين.
قل: أنذركم من أمر الله بنزول عذابه عليكم كما أنزلنا على المقتسمين الذين جعلوا القرآن عضين (1)، أي الذين قسموا الآيات القرآنية أصنافا، فما كان ينفعهم أخذوه، وما لا ينسجم ومشتهياتهم تركوه.
فبدل أن يتخذوا كتاب الله هاديا وقائدا لهم، جعلوه كآلة بأيديهم ووسيلة للوصول لأهدافهم الشريرة، فلو وجدوا فيه كلمة واحدة تنفعهم لتمسكوا بها، ولو وجدوا ألف كلمة لا تنسجم مع منافعهم الدنيوية لتركوها بأجمعها!!
* * *