واعتبر الراغب في مفرداته أن كلمة " المثاني " أطلقت على القرآن لما يتكرر من قراءة آياته، وهذا التكرار هو الذي يحفظه من التلاعب والتحريف (إضافة إلى أن حقائق القرآن تتجلى في كل زمان بشكل جديد ينبغي له أن يوصف بالمثاني).
وعلى أية حال، فذكر عبارة " القرآن العظيم " بعد ذكر سورة الحمد، بالرغم من أنها جزء منه، دليل آخر على شرف وأهمية هذه السورة المباركة، وكثيرا ما يذكر الجزء مقابل الكل لأهميته، وهو كثير الاستعمال في الأدب العربي وغيره.
وخلاصة المطاف أن الله تعالى قد صرح لنبيه الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنك قد ملكت سندا عظيما (القرآن)، ولا تستطيع أي قوة في عالم الوجود أن تصرعه.
سندا كله نور، بركة، دروس تربوية، برامج عملية، هداية وتسديد، وبالذات سورة الفاتحة منه التي لها من المحتوى والأثر بحيث لو ارتبط العبد بربه ولو للحظة واحدة لحلقت روحه لساحة قدس الرب، وهي تعيش حال التعظيم والتسليم والمناجاة والدعاء.
وبعد هذه الهبة العظيمة يأمر الله تعالى نبيه الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) بأربعة أوامر فيقول له أولا: لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم (1).
فمتع الحياة الدنيا ليست دائمة ولا خالية من التبعات، والحفاظ عليها أمر صعب في أحسن الحالات.
ولهذا، لا تستحق الاهتمام بها مقابل ما أعطاك الله عز وجل من العطاء المعنوي الجزيل (أي القرآن).
ثم يقول في الأمر الثاني: ولا تحزن عليهم لما عندهم من أموال ونعم مادية.
فالأمر الأول في الحقيقة يتعلق بعدم الاهتمام والتوجه نحو النعم المادية،