الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي - ج ٨ - الصفحة ١٢١
3 3 - العبادة والتكامل وكما هو معلوم فإن الإنسان قد بدأ انطلاقته في الحياة من نقطة العدم ولا يزال يسير نحو المطلق، ولن تتوقف عجلة تكامله (ما دام مداوما على الطريق) كما أنه يمتلك مقومات السير ويمتاز بقابلية فائقة واستعداد كامل في طلبه للتكامل، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى تعتبر العبادة مدرسة عالية للتربية، لأنها توقظ عقل الإنسان، وتوجه فكره نحو المطلق، وتغسل غبار الذنوب والغفلة من قلبه وروحه، وتنمي فيه الصفات الإنسانية الرفيعة، وتقوي إيمانه وتجعله أكثر وعيا وأكبر مسؤولية.
فلا يمكن للإنسان الواقعي أن يستغني عن هذه المدرسة الراقية، أما الذين يعتقدون بأن الإنسان قد يصل إلى درجة معينة لا يحتاج عندها إلى العبادة، فأولئك إما أنهم يعتبرون عملية تكامل الإنسان محدودة وتنتهي بحد معين، أو أنهم لم يدركوا معنى العبادة حقا.
وللعلامة الطباطبائي (رحمه الله) في تفسير الميزان بيان بهذا الشأن، إليك ملخصه، (إن كل نوع من أنواع الموجودات له غاية كمالية، وكذلك الإنسان له غاية تكاملية لا ينالها إلا بالاجتماع المدني، ولهذا فهو اجتماعي بالطبع، وإن تحقق هذا الاجتماع فسيحتاج أفراد المجتمع إلى أحكام وقوانين يتنظم باحترامها والعمل بها شتات أمورهم، وترتفع بها اختلافاتهم الضرورية، ويقف بها كل منهم في موقفه الذي ينبغي له، ويحوز بها سعادته وكماله الوجودية.
وبعبارة أخرى: إن كان المجتمع الإنساني صالحا أمكن لأفراده الوصول إلى هدفهم النهائي في الكمال، وإن فسد المجتمع تخلف أفراده عن هذا التكامل.
وإن هذه الأحكام والقوانين سواء كانت اجتماعية أو عبادية، لا تكون مؤثرة
(١٢١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 116 117 118 119 120 121 122 123 125 126 127 ... » »»