الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي - ج ٨ - الصفحة ١٠٧
" الجميل " بعد " الصفح " لكي تحدد المعنى الثاني.
وفي رواية عن الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) في تفسير هذه الآية أنه قال:
العفو من غير عتاب (1).
وروي مثل ذلك عن الإمام زين العابدين (عليه السلام) (2).
الآية التالية - كما يقول جمع من المفسرين - بمنزلة الدليل على وجوب العفو والصفح الجميل، حيث تقول: إن ربك هو الخلاق العليم.
فالله يعلم بأن الناس ليسوا سواسية من جهة الطبائع والمستويات الفكرية والعاطفية وهو سبحانه مطلع على ما تخفيه صدورهم، وينبغي معاملتهم بروحية العفو والمسامحة ليهتدوا إلى طريق الحق بأسلوب الإصلاح المرحلي أو التدريجي.
ولا يرمز ذلك إلى الجبر في أعمال الناس وسلوكهم، بقدر ما هو إشارة إلى أمر تربوي يأخذ بنظر الاعتبار اختلاف الناس في القابليات.
ومما يجدر ذكره.. تصور البعض أن الأمر الإلهي مختص بفترة حياة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في مكة قبل الهجرة، وعندما هاجر (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى المدينة أصبح للمسلمين القدرة والقوة فنسخ هذا الأمر وجاء الجهاد بدله.
ولكننا نجد ورود هذا الأمر في السور المدينة أيضا (كسورة البقرة وسورة النور والتغابن والمائدة)، فبعض منها يأمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالعفو والصفح، والبعض الآخر يأمر المؤمنين بذلك.
فيتضح لنا أن أمر الصفح عام ودائم، وهو لا يعارض أمر الجهاد أبدا، فلكل محله الخاص به.
فإذا كان الموقف يستدعي العفو والتسامح، فلم لا يؤخذ به! وإذا كان مدعاة

1 - تفسير نور الثقلين، ج 3، ص 27.
2 - المصدر السابق.
(١٠٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 102 103 104 105 106 107 108 109 110 111 112 ... » »»