الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي - ج ٨ - الصفحة ١٠٦
العالم القادر جل وعلا، وهو حق أيضا، بل هو حقيقة الحق، وكل حق بما هو متصل بوجوده المطلق فهو حق، وكل شئ لا يرتبط به سبحانه فهو باطل.. وهذا ما يخص التوحيد أما في المعاد فيقول: وإن الساعة لآتية.. وإن تأخرت فإنها آتية بالنتيجة.
ولا يبعد أن تكون الفقرة الأولى بمنزلة الدال على الفقرة الثانية، لأن هذا العالم إنما يكون حقا عندما يكون لهذه الأيام الدنيوية المليئة بالآلام والمتاعب هدف عال يبرر خلق هذا الوجود الكبير - فليست الدنيا لنحياها وتنتهي - ولهذا فمسألة خلق السماوات والأرض وما بينهما حق يدل على وجود يوم القيامة والحساب، وإلا لكان الخلق عبثا وليس حقا - فتأمل.
وبعد ذلك.. يأمر الله تعالى نبيه الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يقابل عناد قومه وجهلهم وتعصبهم وعداءهم بالمحبة والعفو وغض النظر عن الذنوب، والصفح عنهم بالصفح الجميل، أي غير مصحوب بملامة فاصفح الصفح الجميل.
لأنك تملك الدليل الواضح على ما أمرت بالدعوة إليه، فلا تحتاج وإياهم إلى الخشونة لتثبيت عقيدة المبدأ والمعاد في قلوب الناس، فالعقل والمنطق السليم معك.
بالإضافة إلى أن الخشونة مع الجهلة غالبا ما تؤدي بهم إلى الرد بالمثل، بل وبأشد من ذلك.
الصفح: هو وجه كل شئ، كوجه الصورة (1)، ولهذا فقد جاءت كلمة " فاصفح " بمعنى أدر وجهك وغض النظر عنهم.
وبما أن إدارة الوجه وصرفه عن الشئ قد تعطي معنى عدم الاهتمام والنفرة وما شابه ذلك بالإضافة لمعنى العفو والصفح، فقد ذكرت الآية المتقدمة كلمة

1 - يقول الفيروزآبادي في القاموس، ج 1، ص 242: الصفح: الجانب، ومن الجبل مضطجعه، ومنك جنبك، ومن الوجه والسيف عرضه.
(١٠٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 101 102 103 104 105 106 107 108 109 110 111 ... » »»