وعلى أية حال.. فالإعراض عن المشركين هنا بمعنى الإهمال، أو ترك مجاهدتهم وحربهم، لأن المسلمين في ذلك الوقت لم تصل قدرتهم - بعد - لمستوى المواجهة مع الأعداء وحربهم.
ثم يطمئن الله تعالى نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) تقوية لقلبه: إنا كفيناك المستهزئين.
إن مجئ الفعل بصيغة الماضي في هذه الآية مع أن المراد المستقبل يشير إلى حتمية الحماية الربانية، أي: سندفع عنك شر المستهزئين، حتما مقضيا.
وقد ذكر المفسرون رواية تتحدث عن ست جماعات (أو أقل) كان منهم يمارس نوعا من الاستهزاء تجاه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
فكلما صدع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالدعوة قاموا بالإستهزاء تفريقا للناس من حوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، إلا أن الله تعالى ابتلى كلا منهم بنوع من البلاء، حتى شغلهم عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، (وقد ورد تفصيل تلك الابتلاءات في بعض التفاسير).
ثم يصف المستهزئين: الذين يجعلون مع الله إلها آخر فسوف يعلمون.
كأن القرآن يريد أن يقول: إن أفكار وأعمال هؤلاء بنفسها عبث سخف حيث يعبدون ما ينحتونه بأيديهم من حجر وخشب، ودفعهم جهلهم لأن يجعلوا مع الله ما صنعوا بأيديهم آلهة! ومع ذلك.. يستهزؤون بك!
ولمزيد من التأكيد على اطمئنان قلب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، يضيف تعالى قائلا:
ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون، فروحك اللطيفة وقلبك الطيب الرقيق لا يتحملان تلك الأقوال السيئة وأحاديث الكفر والشرك، ولذلك يضيق صدرك.
ولكن لا تحزن من قبح أقوالهم فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين.
لأن تسبيح الله يذهب أثر أقوالهم القبيحة من قلوب أحباء الله، هذا أولا..
وثانيا، يعطيك قدرة وقوة ونورا وصفاء، ويخلق فيك تجليا وانفتاحا، ويقوي ارتباطك مع الله، ويقوي إرادتك ويبث فيك قدرة أكبر للتحمل والثبات