قوله تعالى: " ولا تمنن تستكثر " الذي يعطيه سياق الآيات ويناسب المقام أن يكون المراد بالمن تكدير الصنيعة بذكرها للمنعم عليه كما في قوله تعالى: " لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى " البقرة: 264، وقوله: " يمنون عليك أن أسلموا " الحجرات:
17 والمراد بالاستكثار رؤية الشئ وحسبانه كثيرا لا طلب الكثرة.
والمعنى لا تمنن امتثالك لهذه الأوامر وقيامك بالانذار وتكبيرك ربك وتطهيرك ثيابك وهجرك الرجز حال كونك ترى ذلك كثيرا وتعجبه - فإنما أنت عبد لا تملك من نفسك شيئا إلا ما ملكك الله وأقدرك عليه وهو المالك لما ملكك والقادر على ما عليه أقدرك فله الامر وعليك الامتثال -.
وللقوم في الآية وجوه أخر من التفسير لا تلائم السياق تلك الملاءمة فقيل المعنى لا تعط عطية لتعطي أكثر منها.
وقيل: المعنى لا تمنن ما أعطاك الله من النبوة والقرآن على الناس مستكثرا به الاجر.
وقيل: أي لا تمنن ابلاغ الرسالة على أمتك.
وقيل: المعنى لا تضعف في عملك مستكثرا لطاعاتك.
وقيل: المعنى لا تمنن بعطائك على الناس مستكثرا له.
وقيل: أي إذا أعطيت عطية فأعطها لربك واصبر حتى يكون هو الذي يثيبك.
وقيل: هو نهى عن الربا المحرم أي لا تعط شيئا طالبا أن تعطي أكثر مما أعطيت.
قوله تعالى: " ولربك فاصبر " أي لوجه ربك، والصبر مطلق يشمل الصبر عند المصيبة والصبر على الطاعة والصبر عن المعصية، والمعنى ولوجه ربك فاصبر عندما يصيبك من المصيبة والأذى في قيامك بالانذار وامتثالك هذه الأوامر واصبر على طاعة الله واصبر عن معصيته، وهذا معنى جامع لمتفرقات ما ذكروه في تفسير الآية كقول بعضهم: إنه أمر بنفس الفعل من غير نظر إلى متعلقه، وقول بعضهم: إنه الصبر على أذى المشركين، وقول بعضهم: إنه الصبر على أداء الفرائض، إلى غير ذلك.