لمن استطاع ذلك بدعة محرمة وذلك أن الاحصاء المذكور إنما لا يتيسر لمجموع المكلفين لا لجميعهم ولو امتنع لجميعهم ولم يتيسر لأحدهم لم يشرع من أصله ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
على أنه تعالى يصدق لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم وطائفة من الذين معه قيام الثلث والنصف والأدنى من الثلثين وينسب عدم التمكن من الاحصاء إلى الجميع وهم لا محالة هم القائمون وغيرهم فالحكم إنما كان شاقا على المجموع من حيث المجموع دون كل واحد فوسع في التكليف بقوله: " فاقرءوا ما تيسر من القرآن " وسهل الامر بالتخفيف ليكون لعامة المكلفين فيه نصيب مع بقاء الأصل المشتمل عليه صدر السورة على حاله لمن تمكن من الاحصاء وأراده، والحكم استحبابي لسائر المؤمنين وإن كان ظاهر ما للنبي صلى الله عليه وآله وسلم من الخطاب الوجوب كما تقدمت الإشارة إليه.
وللقوم في كون المراد بقيام الليل الصلاة فيه أو قراءة القرآن خارج الصلاة، وعلى الأول في كونه واجبا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين أو مستحبا للجميع أو واجبا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم مستحبا لغيره ثم في نسخ الحكم بالتخفيف بما تيسر بهذه الآية أو تبديل الصلاة من قراءه ما تيسر من القرآن أقوال لا كثير جدوى في التعرض لها والبحث عنها.
وقوله: " علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله " إشارة إلى مصلحة أخرى مقتضية للتخفيف في أمر القيام ثلث الليل أو نصفه أو أدنى من ثلثيه، وراء كونه شاقا على عامة المكلفين بالصفة المذكورة أولا فإن الاحصاء المذكور للمريض والمسافر والمقاتل مع ما هم عليه من الحال شاق عسير جدا.
والمراد بالضرب في الأرض للابتغاء من فضل الله طلب الرزق بالمسافرة من أرض إلى أرض للتجارة.
وقوله: " فاقرءوا ما تيسر منه وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأقرضوا الله قرضا حسنا " تكرار للتخفيف تأكيدا، وضمير " منه للقرآن، والمراد الاتيان بالصلاة على ما يناسب سعة الوقت الذي قاموا فيه.
والمراد بالصلاة المأمور بإقامتها الفريضة فإن كانت الآية مدنية فالفرائض الخمس اليومية وإن كانت مكية فبحسب ما كانت مفروضة من الصلاة، والمراد بالزكاة الزكاة