تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٢٠ - الصفحة ٤٥
العلم اليقيني، والأنسب أن يكون المراد بقوله: " لن نعجز الله في الأرض " إعجازه تعالى بالغلبة عليه فيما يشاء فيها وذلك بالافساد في الأرض وإخلال النظام الذي يجري فيها فإن إفسادهم لو أفسدوا من القدر، والمراد بقوله: " ولن نعجزه هربا " إعجازه تعالى بالهرب منه إذا طلبهم حتى يفوتوه فلا يقدر على الظفر بهم وقيل: المعنى لن نعجزه تعالى كائنين في الأرض ولن نعجزه هربا إلى السماء أي لن نعجزه لا في الأرض ولا في السماء هذا وهو كما ترى.
قوله تعالى: " وأنا لما سمعنا الهدى آمنا به فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا ولا رهقا " المراد بالهدى القرآن باعتبار ما يتضمنه من الهدى، والبخس النقص على سبيل الظلم، والرهق غشيان المكروه.
والفاء في قوله: " فمن يؤمن " للتفريع وهو من تفريع العلة على المعلول لإفادة الحجة في إيمانهم بالقرآن من دون ريث ولا مهل.
ومحصل المعنى: أنا لما سمعنا القرآن الذي هو الهدى بادرنا إلى الايمان به من دون مكث لان من آمن به فقد آمن بربه ومن يؤمن بربه فلا يخاف نقصانا في خير أو غشيانا من مكروه حتى يكف عن المبادرة والاستعجال ويتروى في الاقدام عليه لئلا يقع في بخس أو رهق.
قوله تعالى: " وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا " المراد بالاسلام تسليم الامر لله تعالى فالمسلمون المسلمون له الامر المطيعون له فيما يريده ويأمر به، والقاسطون هم المائلون إلى الباطل قال في المجمع: القاسط هو العادل عن الحق والمقسط العادل إلى الحق، انتهى.
والمعنى: أنا معشر الجن منقسمون إلى من يسلم لأمر الله مطيعين له، وإلى من يعدل عن التسليم لأمر الله وهو الحق.
وقوله: " فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا " تحري الشئ توخيه وقصده، والمعنى فالذين أسلموا فأولئك قصدوا إصابة الواقع والظفر بالحق.
قوله تعالى: " وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا " فيعذبون بتسعرهم واشتعالهم بأنفسهم كالقاسطين من الانس قال تعالى: " فاتقوا النار التي وقودها الناس " البقرة: 26.
(٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 ... » »»
الفهرست