تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٢٠ - الصفحة ٣٥٧
في مستقبله، وإن اتبع الباطل وأعرض عن الايمان والعمل الصالح فقد خسرت تجارته وحرم الخير في عقباه وهو قوله تعالى: " إن الانسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ".
والمراد بالايمان الايمان بالله ومن الايمان بالله الايمان بجميع رسله والايمان باليوم الآخر فقد نص تعالى فيمن لم يؤمن ببعض رسله (1) أو باليوم الآخر أنه غير مؤمن بالله.
وظاهر قوله: " وعملوا الصالحات " التلبس بجميع الأعمال الصالحة فلا يشمل الاستثناء الفساق بترك بعض الصالحات من المؤمنين ولازمه أن يكون الخسر أعم من الخسر في جميع جهات حياته كما في الكافر المعاند للحق المخلد في العذاب، والخسر في بعض جهات حياته كالمؤمن الفاسق الذي لا يخلد في النار وينقطع عنه العذاب بشفاعة ونحوها.
قوله تعالى: " وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر " التواصي بالحق هو أن يوصى بعضهم بعضا بالحق أي باتباعه والدوام عليه فليس دين الحق إلا اتباع الحق اعتقادا وعملا والتواصي بالحق أوسع من الامر بالمعروف والنهي عن المنكر لشموله الاعتقاديات ومطلق الترغيب والحث على العمل الصالح.
ثم التواصي بالحق من العمل الصالح فذكره بعد العمل الصالح من قبيل ذكر الخاص بعد العام اهتماما بأمره كما أن التواصي بالصبر من التواصي بالحق وذكره بعده من ذكر الخاص بعد العام اهتماما بأمره، ويؤكد تكرار ذكر التواصي حيث قال: " وتواصوا بالصبر " ولم يقل: وتواصوا بالحق والصبر.
وعلى الجملة ذكر تواصيهم بالحق وبالصبر بعد ذكر تلبسهم بالايمان والعمل الصالح للإشارة إلى حياة قلوبهم وانشراح صدورهم للاسلام لله فلهم اهتمام خاص واعتناء تام بظهور سلطان الحق وانبساطه على الناس حتى يتبع ويدوم اتباعه قال تعالى: " أفمن شرح الله صدره للاسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين " الزمر 22.
وقد أطلق الصبر فالمراد به أعم من الصبر على طاعة الله، والصبر عن معصيته، والصبر عند النوائب التي تصيبه بقضاء من الله وقدر.

(٣٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 352 353 354 355 356 357 358 359 360 361 362 ... » »»
الفهرست