التدبير الربوبي بإدبار النهار وإقبال الليل وذهاب سلطان الشمس، وقيل: المراد به صلاة العصر وهي الصلاة الوسطى التي هي أفضل الفرائض اليومية، وقيل الليل والنهار ويطلق عليهما العصران، وقيل الدهر لما فيه من عجائب الحوادث الدالة على القدرة الربوبية وغير ذلك.
وقد ورد في بعض الروايات أنه عصر ظهور المهدي عليه السلام لما فيه من تمام ظهور الحق على الباطل.
قوله تعالى: " إن الانسان لفي خسر " المراد بالانسان جنسه، والخسر والخسران والخسار والخسارة نقص رأس المال قال الراغب: وينسب ذلك إلى الانسان فيقال:
خسر فلان وإلى الفعل فيقال: خسرت تجارته، انتهى. والتنكير في " خسر " للتعظيم ويحتمل التنويع أي في نوع من الخسر غير الخسارات المالية والجاهية قال تعالى: " الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين " الزمر 15.
قوله تعالى: " إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات " استثناء من جنس الانسان الواقع في الخسر، والمستثنون هم الافراد المتلبسون بالايمان والأعمال الصالحة فهم آمنون من الخسر.
وذلك أن كتاب الله يبين أن للانسان حياة خالدة مؤبدة لا تنقطع بالموت وإنما الموت انتقال من دار إلى دار كما تقدم في تفسير قوله تعالى: " على أن نبدل أمثالكم وننشئكم فيما لا تعلمون " الواقعة، 61، ويبين أن شطرا من هذه الحياة وهي الحياة الدنيا حياة امتحانية تتعين بها صفة الشطر الأخير الذي هو الحياة الآخرة المؤبدة من سعادة وشقاء قال تعالى: " وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع ": الرعد 26، وقال: " كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة " الأنبياء 35.
ويبين أن مقدمية هذه الحياة لتلك الحياة إنما هي بمظاهرها من الاعتقاد والعمل فالاعتقاد الحق والعمل الصالح ملاك السعادة الأخروية والكفر والفسوق ملاك الشقاء فيها قال تعالى: " وأن ليس للانسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الأوفى " النجم 41، وقال: " من كفر فعليه كفره ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون " الروم 44، وقال: " من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها " حم السجدة 46، وقد سمى الله تعالى ما سيلقاه الانسان في الآخرة جزاء وأجرا في آيات كثيرة.
ويتبين بذلك كله أن الحياة رأس مال للانسان يكسب به ما يعيش به في حياته الآخرة فإن اتبع الحق في العقد والعمل فقد ربحت تجارته وبورك في مكسبه وأمن الشر