عبادته تعالى لعبدوه وحده فدعوتهم إلى عبادة الله دعوة لهم إلى توحيده في العبادة.
وفي قوله: " واتقوه " دعوتهم إلى اجتناب معاصيه من كبائر الاثم وصغائره وهي الشرك فما دونه، وفعل الأعمال الصالحة التي في تركها معصية.
وفي قوله: " وأطيعون " دعوة لهم إلى طاعة نفسه المستلزم لتصديق رسالته وأخذ معالم دينهم مما يعبد به الله سبحانه ويستن به في الحياة منه عليه السلام ففي قوله: " اعبدوا الله واتقوه وأطيعون " ندب إلى أصول الدين الثلاثة: التوحيد المشار إليه بقوله:
" اعبدوا الله " والمعاد الذي هو أساس التقوى (1) والتصديق بالنبوة المشار إليه بالدعوة إلى الطاعة المطلقة.
قوله تعالى: " يغفر لكم من ذنوبكم " مجزوم في جواب الامر وكلمة " من " للتبعيض على ما هو المتبادر من السياق، والمعنى إن تعبدوه وتتقوه وتطيعوني يغفر لكم بعض ذنوبكم وهي الذنوب التي قبل الايمان: الشرك فما دونه، وأما الذنوب التي لم تقترف بعد مما سيستقبل فلا معنى لمغفرتها قبل تحققها، ولا معنى أيضا للوعد بمغفرتها إن تحققت في المستقبل أو كلما تحققت لاستلزام ذلك إلغاء التكاليف الدينية بإلغاء المجازاة على مخالفتها.
ويؤيد ذلك ظاهر قوله تعالى: " يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم " الأحقاف: 31، وقوله: " يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم " إبراهيم: 10 وقوله: " قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف " الأنفال: 38.
وأما قوله تعالى يخاطب المؤمنين من هذه الأمة: " يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات " الصف: 12 فهو وإن كان ظاهرا في مغفرة جميع الذنوب لكن رتبت المغفرة فيه على استمرار الايمان والعمل الصالح وإدامتهما ما دامت الحياة فلا مغفرة فيه متعلقة بما لم يتحقق بعد من المعاصي والذنوب المستقبلة ولا وعد بمغفرتها كلما تحققت.
وقد مال بعضهم اعتمادا على عموم المغفرة في آية الصف إلى القول بأن المغفور بسبب الايمان في هذه الأمة جميع الذنوب وفي سائر الأمم بعضها كما هو ظاهر قول نوح لامته: