تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٢٠ - الصفحة ٢٨
" يغفر لكم من ذنوبكم " وقول الرسل: كما في سورة إبراهيم " يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم " وقول الجن كما في سورة الأحقاف لقومهم: " يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ".
وفيه أن آية الصف موردها غير مورد المغفرة بسبب الايمان فقط كما أشرنا إليه. على أن آية الأنفال صريحة في مغفرة ما قد سلف، والمخاطب به كفار هذه الأمة.
وذهب بعضهم إلى كون " من " في قوله: " من ذنوبكم " زائدة، ولم تثبت زيادة " من " في الاثبات فهو ضعيف ومثله في الضعف قول من ذهب إلى أن " من " بيانية، وقول من ذهب إلى أنها لابتداء الغاية.
قوله تعالى: " ويؤخركم إلى أجل مسمى إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر لو كنتم تعلمون " تعليق تأخيرهم إلى أجل مسمى على عبادة الله والتقوى وطاعة الرسول يدل على أن هناك أجلين أجل مسمى يؤخرهم الله إليه إن أجابوا الدعوة، وأجل غيره يعجل إليهم لو بقوا على الكفر، وأن الاجل المسمى أقصى الأجلين وأبعدهما.
ففي الآية وعدهم بالتأخير إلى الاجل المسمى إن آمنوا وفي قوله: " أن أجل الله إذا جاء لا يؤخر " تعليل للتأخير إلى الاجل المسمى إن آمنوا فالمراد بأجل الله إذا جاء مطلق الاجل المقضي المتحتم أعم من الاجل المسمى وغير المسمى فلا راد لقضائه تعالى ولا معقب لحكمه.
والمعنى: أن أعبدوا الله واتقوه وأطيعوني يؤخركم الله إلى أجل مسمى هو أقصى الأجلين فإنكم إن لم تفعلوا ذلك جاءكم الاجل غير المسمى بكفركم ولم تؤخروا فإن أجل الله إذا جاء لا يؤخر، ففي الكلام مضافا إلى وعد التأخير إلى الاجل المسمى إن آمنوا، تهديد بعذاب معجل إن لم يؤمنوا.
وقد ظهر بما تقدم عدم استقامة تفسير بعضهم لأجل الله بالأجل غير المسمى وأضعف منه تفسيره بالأجل المسمى.
وذكر بعضهم: أن المراد بأجل الله يوم القيامة والظاهر أنه يفسر الاجل المسمى أيضا بيوم القيامة فيرجع معنى الآية حينئذ إلى مثل قولنا: إن لم تؤمنوا عجل الله إليكم بعذاب الدنيا وإن آمنتم أخركم إلى يوم القيامة إنه إذا جاء لا يؤخر.
وأنت خبير بأنه لا يلائم التبشير الذي في قوله: " يغفر لكم من ذنوبكم ".
(٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 ... » »»
الفهرست