تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٢٠ - الصفحة ٢٢
- وهم يعلمون به - فلنا أن نذهب بهم ونخلق مكانهم قوما آخرين يكونون خيرا منهم مؤمنين غبر رادين لشئ من دين الله، ولسنا بمسبوقين حتى يعجزنا هؤلاء الكفار ويسبقونا فندخلهم الجنة وينتقض به ما قدرنا أن لا يدخل الجنة كافر.
وقيل: " من " في قوله: " مما يعلمون " تفيد معنى لام التعليل، والمعنى إنا خلقناهم لأجل ما يعلمون وهو الاستكمال بالايمان والطاعة فمن الواجب أن يتلبسوا بذلك حتى ندخلهم الجنة فكيف يطمعون في دخولها وهم كفار؟ وإنما علموا بذلك من طريق إخبار النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وقيل: " من " لابتداء الغاية، والمعنى: إنا خلقناهم من نطفة قذرة لا تناسب عالم القدس والطهارة حتى تتطهر بالايمان والطاعة وتتخلق بأخلاق الملائكة فتدخل وأنى لهم ذلك وهم كفار.
وقيل: المراد بما في " ما لا يعلمون " الجنس، والمعنى إنا خلقناهم من جنس الآدميين الذين يعلمون أو من الخلق الذين يعلمون لا من جنس الحيوانات التي لا تعقل ولا تفقه فالحجة لازمة لهم تامة عليهم، والوجوه الثلاثة سخيفة.
قوله تعالى: " فلا أقسم برب المشارق والمغارب إنا لقادرون على أن نبدل خيرا منهم وما نحن بمسبوقين " المراد بالمشارق والمغارب مشارق الشمس ومغاربها فإن لها في كل يوم من أيام السنة الشمسية مشرقا ومغربا لا يعود إليهما إلى مثل اليوم من السنة القابلة، ومن المحتمل أن يكون المراد بها مشارق جميع النجوم ومغاربها.
وفي الآية على قصرها وجوه من الالتفات ففي قوله: " فلا أقسم " التفات من التكلم مع الغير في " إنا خلقناهم " إلى التكلم وحده، والوجوه فيه تأكيد القسم بإسناده إلى الله تعالى نفسه.
وفي قوله: " برب المشارق والمغارب " التفات من التكلم وحده إلى الغيبة، والوجه فيه الإشارة إلى صفة من صفاته تعالى هي المبدء في خلق الناس جيلا بعد جيل وهي ربوبيته للمشارق والمغارب فإن الشروق بعد الشروق والغروب بعد الغروب الملازم لمرور الزمان دخلا تاما في تكون الانسان جيلا بعد جيل وسائر الحوادث الأرضية المقارنة له.
وفي قوله: " إنا لقادرون " التفات من الغيبة إلى التكلم مع الغير، والوجه فيه الإشارة
(٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 ... » »»
الفهرست