تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٨ - الصفحة ٦٤
وقوله: (ومما رزقناهم ينفقون) إشارة إلى بذل المال لمرضات الله.
قوله تعالى: (والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون) قال الراغب: الانتصار والاستنصار طلب النصرة. انتهى. فالمعنى: الذين إذا أصاب الظلم بعهم طلب النصرة من الآخرين وإذا كانوا متفقين على الحق كنفس واحدة فكأن الظلم أصاب جميعهم فطلبوا المقاومة قباله وأعدوا عليه النصرة.
وعن بعضهم أن الانتصار بمعنى التناصر نظير اختصم وتخاصم واستبق وتسابق والمعنى عليه ظاهر.
وكيف كان فالمراد مقاومتهم لرفع الظلم فلا ينافي المغفرة عند الغضب المذكورة في جملة صفاتهم فإن المقاومة دون الظلم وسد بابه عن المجتمع لمن استطاعه والانتصار والتناصر لأجله من الواجبات الفطرية، قال تعالى: (وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر) الأنفال: 72، وقال (فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله) الحجرات: 9.
قوله تعالى: (وجزاء سيئة سيئة مثلها) إلى آخر الآية بيان لما جعل للمنتصر في انتصاره وهو أن يقاتل الباغي بما يماثل فعله وليس بظلم وبغي.
قيل: وسمي الثانية وهي ما يأتي بها المنتصر سيئة لأنها في مقابلة الأولى كما قال تعالى: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) البقرة: 194، وقال الزمخشري: كلتا الفعلتين: الأولى وجزاؤها سيئة لأنها تسوء من تنزيل به ففيه رعاية الحقيقة معنى اللفظ وإشارة إلى أن مجازاة السيئة بمثلها إنما تحمد بشرط المماثلة من غير زيادة.
وقوله: (فمن عفا وأصلح فأجره على الله) وعد جميل على العفو والاصلاح، الظاهر أن المراد بالاصلاح إصلاحه أمره فيما بينه وبين ربه، وقيل: المراد إصلاحه ما بينه وبين ظالمه بالعفو والاغضاء.
وقوله: (إنه لا يحب الظالمين) قيل: فيه بيان أنه تعالى لم يرغب المظلوم في العفو عن الظالم لميله إلى الظالم أو لحبه إياه ولكن ليعرض المظلوم بذلك لجزيل الثواب، ولحبه تعالى الاحسان والفضل.
وقيل: المراد أنه لا يحب الظالم في قصاص وغيره بتعديه عما هو له إلى ما ليس هو له.
(٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 ... » »»
الفهرست