تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٨ - الصفحة ٦٨
لا أزيد من ذلك فقد أرسل مبلغا لدين الله إن عليه إلا البلاغ ولم يرسل حفيظا عليهم مسؤولا عن إيمانهم وطاعتهم حتى يمنعهم عن الاعراض ويتعب نفسه لاقبالهم عليه.
قوله تعالى: (وإنا إذا أذقنا الانسان منا رحمة فرح بها وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم فإن الانسان كفور) الفرح بالرحمة كناية عن الاشتغال بالنعمة ونسيان المنعم، والمراد بالسيئة المصيبة التي تسوء الانسان إذا أصابته، وقوله: (فإن الانسان كفور) من وضع الظاهر موضع الضمير، والنكتة فيه تسجيل الذم واللوم عليه بذكره باسمه.
وفي الآية استشعار بإعراضهم وتوبيخهم بعنوان الانسان المشتغل بالدنيا فإنه بطبعه حليف الغفلة إن ذكر بنعمة يؤتاها صرفه الفرح بها عن ذكر الله، وإن ذكر بسيئة تصيبه بما قدمت يداه شغله الكفران عن ذكر ربه فهو في غفلة عن ذكر ربه في نعمة كانت أو في نقمة فكاد أن لا تنجح فيه دعوة ولا تنفع فيه موعظة.
قوله تعالى: (لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء) إلى آخر الآيتين، للآيتين نوع اتصال بما تقدم من حديث الرزق لما أن الأولاد المذكورين فيهما من قبيل الرزق.
وقيل: إنهما متصلتان بالآية السابقة حيث ذكر فيها إذاقة الرحمة وإصابة السيئة وأن الانسان يفرح بالرحمة ويكفر في السيئة فذكر تعالى في هاتين الآيتين أن ملك السماوات والأرض لله سبحانه يخلق ما يشاء فليس لمن يذوق رحمته أن يفرح بها ويشتغل به ولا لمن إصابته السيئة أن يكفر ويعترض بل له الخلق والامر فعلى المرحوم أن يشكر وعلى المصاب أن يرجع إليه.
ويبعده أنه تعالى لم ينسب السيئة في الآية السابقة إلى نفسه بل إلى تقديم أيديهم فلا يناسبه نسبة القسمين جميعا في هذه الآية إلى مشيته ودعوتهم إلى التسليم لها.
وكيف كان فقوله: (لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء) فيه قصر الملك والسلطنة فيه تعالى على جميع العالم وأن الخلق منوط بمشيته من غير أن يكون هناك أمر يوجب عليه المشية أو يضطره على الخلق.
وقوله: (يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور) الإناث جمع أنثى والذكور والذكران جمعا ذكر، وظاهر التقابل أن المراد هبة الإناث فقط لمن يشاء وهبة الذكور
(٦٨)
مفاتيح البحث: الرزق (2)، الغفلة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 ... » »»
الفهرست