تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٨ - الصفحة ٧٥
قوله تعالى: (وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان) الخ، ظاهر السياق كون (كذلك) إشارة إلى ما ذكر في الآية السابقة من الوحي بأقسامه الثلاث، ويؤيده الروايات الكثيرة الدالة على أنه صلى الله عليه وآله وسلم كما كان يوحى إليه بتوسط جبريل وهو القسم الثالث كان يوحى إليه في المنام وهو من القسم الثاني ويوحي إليه من دون توسط واسطة وهو القسم الأول.
وقيل: الإشارة إلى مطلق الوحي النازل على الأنبياء وهذا متعين على تقدير كون المراد بالروح هو جبريل أو الروح الأمري كما سيأتي.
والمراد بإيحاء الروح - على ما قيل - إيحاء القرآن وأيد بقوله: (ولكن جعلناه نورا) الخ، ومن هنا قيل: إن المراد بالروح القرآن.
لكن يبقى عليه أولا: أنه لا ريب أن الكلام مسوق لبيان أن ما عندك من المعارف والشرائع التي تتلبس بها وتدعو الناس إليها ليس مما أدركته بنفسك وأبديته بعلمك بل أمر من عندنا منزل إليك بوحينا، وعلى هذا فلو كان المراد بالروح الموحى القرآن كان من الواجب الاقتصار على الكتاب في قوله: (ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان) لان المراد بالكتاب القرآن فيكون الايمان زائدا مستغنى عنه.
وثانيا: أن القرآن وإن أمكن أن يسمى روحا باعتبار إحيائه القلوب بهداه كما قال تعالى: (إذا دعاكم لما يحييكم) الأنفال: 24، وقال: (أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس) الانعام: 122، لكن لا وجه لتقيده حينئذ بقوله: (من أمرنا) والظاهر من كلامه تعالى أن الروح من أمرة خلق من العالم العلوي يصاحب الملائكة في نزولهم، قال تعالى: (تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر) القدر: 4، وقال: (يوم يقوم الروح والملائكة صفا) النبأ: 38، وقال: (قل الروح من أمر ربي) أسرى: 85، وقال: (وأيدناه بروح القدس) البقرة: 87، وقد سمى جبريل الروح الأمين وروح القدس حيث قال: (نزل به الروح الأمين) الشعراء: 193، وقال: (قل نزله روح القدس من ربك) النحل: 102.
ويمكن أن يجاب عن الأول بأن مقتضى المقام وإن كان هو الاقتصار على ذكر
(٧٥)
مفاتيح البحث: القرآن الكريم (5)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 70 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 ... » »»
الفهرست