تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٨ - الصفحة ٢٧٤
وكيف كان فاللام في (لتؤمنوا) للتعليل أي أرسلناك كذا وكذا لتؤمنوا بالله ورسوله.
والتعزير - على ما قيل - النصر والتوقير التعظيم كما قال تعالى: (ما لكم لا ترجون لله وقارا) نوح: 13، والظاهر أن الضمائر في (تعزروه وتوقروه وتسبحوه) جميعا لله تعالى والمعنى: إنا أرسلناك كذا وكذا ليؤمنوا بالله ورسوله وينصروه تعالى بأيديهم وألسنتهم ويعظموه ويسبحوه - وهو الصلاة - بكرة وأصيلا أي غداة وعشيا.
وقيل: الضميران في (تعزروه وتوقروه) للرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وضمير (تسبحوه) لله تعالى ويوهنه لزوم اختلاف الضمائر المتسقة.
قوله تعالى: (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم) إلى آخر الآية. البيعة نوع من الميثاق ببذل الطاعة قال في المفردات: وبايع السلطان إذا تضمن بذل الطاعة له بما رضخ له انتهى، والكلمة مأخوذة من البيع بمعناه المعروف فقد كان من دأبهم أنهم إذا أرادوا إنجاز البيع أعطى البايع يده للمشتري فكأنهم كانوا يمثلون بذلك نقل الملك بنقل التصرفات التي يتحقق معظمها باليد إلى المشتري بالتصفيق، وبذلك سمي التصفيق عند بذل الطاعة بيعة ومبايعة، وحقيقة معناه إعطاء المبايع يده للسلطان مثلا ليعمل به ما يشاء.
فقوله: (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله) تنزيل بيعته صلى الله عليه وآله وسلم منزلة بيعته تعالى بدعوى أنها هي فما يواجهونه صلى الله عليه وآله وسلم به من بذل الطاعة لا يواجهون به إلا الله سبحانه لان طاعته طاعة الله ثم قرره زيادة تقرير وتأكيد بقوله: (يد الله فوق أيديهم) حيث جعل يده صلى الله عليه وآله وسلم يد الله كما جعل رميه صلى الله عليه وآله وسلم رمي نفسه في قوله: (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) الأنفال: 17.
وفي نسبة ما له صلى الله عليه وآله وسلم من الشأن إلى نفسه تعالى آيات كثيرة كقوله تعالى: (من يطع الرسول فقد أطاع الله) النساء: 80، وقوله: (فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون الانعام: 33، وقوله: ليس لك من الامر شئ) آل عمران: 128.
وقوله: (فمن نكث فإنما ينكث على نفسه) النكث نقض العهد والبيعة، والجملة تفريع على قوله: (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله) والمعنى: فإذا كان
(٢٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 269 270 271 272 273 274 275 276 277 278 279 ... » »»
الفهرست