وإن تدع نفس مثقلة أثقلها حملها من الاثم غيرها إلى ما حملته من الاثم ليحمله عنها لا يستجاب لها ولا يحمل من حملها شئ ولو كان المدعو ذا قربى للداعي كالأب والام والأخ والأخت.
وقوله: " إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب وأقاموا الصلاة " أي هؤلاء المكذبون لا ينتفعون بالانذار ولا تتحقق معهم حقيقة الانذار لأنهم مطبوع على قلوبهم إنما تنذر وينفع إنذارك الذين يخشون ربهم بالغيب ويقيمون الصلاة التي هي أفضل العبادات وأهمها وبالجملة يؤمنون بالله ويعبدونه أي الذين يخشون ربهم بالغيب ويقيمون الصلاة إثر إنذارك لا أنهم يخشون ربهم ويصلون ثم ينذرون بعد ذلك حتى يلزم تحصيل الحاصل فالآية كقوله: " إني أراني أعصر خمرا " يوسف: 36.
وقوله: " ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه " بدل الخشية وإقامة الصلاة من التزكي للإشارة إلى أن المطلوب بالدعوة والانذار هو التزكي وتزكية النفس تلبسها بالخشية من الله على الغيب وإقامة الصلاة.
وفيه تقرير وتأكيد لما تقدم من كونه تعالى غنيا حميدا فهو تعالى لا ينتفع بما يدعو إليه من التزكي بل الذي تزكى فإنما يتزكى لنفع نفسه.
وقد ختم الآية بقوله: " وإلى الله المصير " للدلالة على أن تزكية من تزكى لا يذهب سدى، فإن كلا من الفريقين صائرون إلى ربهم لا محالة وهو يحاسبهم ويجازيهم فيجازي هؤلاء المتزكين أحسن الجزاء.
قوله تعالى: " وما يستوي الأعمى والبصير " الظاهر أنه عطف على قوله: " وإلى الله المصير " تعليل في صورة التمثيل لعدم مساواة هؤلاء المتزكين لأولئك المكذبين، وقيل: عطف على قوله السابق: " وما يستوي البحران ".
قوله تعالى: " ولا الظلمات ولا النور " تكرار حروف النفي مرة بعد مرة في الآية وما يليها لتأكيد النفي.
قوله تعالى: " ولا الظل ولا الحرور " الحرور شدة حر الشمس على ما قيل وقيل:
هو السموم وقيل: السموم يهب نهارا والحرور يهب ليلا ونهارا.