وقد علل الكلام بقوله: (انه سميع قريب) للدلالة على أنه يسمع الدعوة ولا يحجبه عنها حاجب البعد وقد مهد له قبلا وصفه تعالى في قذف الحق بأنه علام الغيوب فلا يغيب عنه أمر يخل بأمره ويمنع نفوذ مشيته هداية الناس بالوحي قال تعالى: (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا الا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم وأحاط بما لديهم وأحصى كل شئ عددا) الجن: 28.
قوله تعالى: (ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب) ظاهر السياق السابق ويشعر به قوله الآتي: (وحيل بينهم وبين ما يشتهون كما فعل بأشياعهم من قبل) أن الآيات الأربع وصف حال مشركي قريش ومن يلحق بهم حال الموت.
فقوله: (ولو ترى إذ فزعوا) أي حين فزع هؤلاء المشركون عند الموت (فلا فوت) أي لا يفوتون الله بهرب أو تحصن أو أي حائل آخر.
وقوله: (وأخذوا من مكان قريب) كناية عن عدم فصل بينهم وبين من يأخذهم وقد عبر بقوله: (أخذوا) مبنيا للمفعول ليستند الاخذ إليه سبحانه، وقد وصف نفسه بأنه قريب، وكشف عن معنى قربه بقوله: (ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون) الواقعة: 85، وأزيد منه في قوله: (من حبل الوريد) ق: 16، وأزيد منه في قوله: (ان الله يحول بين المرء وقلبه) الأنفال: 24، فبين أنه أقرب إلى الانسان من نفسه وهذا الموقف هو المرصاد الذي ذكره في قوله: (ان ربك لبالمرصاد) الفجر:
14، فكيف يتصور فوت الانسان منه وهو أقرب إليه من نفسه؟ أو من ملائكته المكرمين الذين يأخذون الامر منه تعالى من غير حاجب يحجبهم عنه أو واسط يتوسط بينه وبينهم.
فقوله: (وأخذوا من مكان قريب) نوع تمثيل لقربه تعالى من الانسان بحسب ما نتصوره من معنى القرب لاحتباسنا في سجن الزمان والمكان وأنسنا بالأمور المادية والا فالامر أعظم من ذلك.
قوله تعالى: (وقالوا آمنا به وأنى لهم التناوش من مكان بعيد) التناوش التناول وضمير (به) للقرآن على ما يعطيه السياق.
والمراد بكونهم في مكان بعيد أنهم في عالم الآخرة وهي دار تعين الجزاء وهي