تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٦ - الصفحة ٣٥٧
وقوله: (وهو الحكيم الخبير) ختم الآية بالاسمين الكريمين للدلالة على أن تصرفه في نظام الدنيا ثم تعقيبه بنظام الآخرة مبنى على الحكمة والخبرة فبحكمته عقب الدنيا بالآخرة والا لغت الخلقة وبطلت ولم يتميز المحسن من المسيئ كما قال:
(وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا - إلى أن قال - أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار) صلى الله عليه وآله وسلم: 28، وبخبرته يحشرهم ولا يغادر منهم أحدا ويجزى كل نفس بما كسبت.
والخبير من أسماء الله الحسنى مأخوذة من الخبرة وهي العلم بالجزئيات فهو أخص من العليم.
قوله تعالى: (يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها) الولوج مقابل الخروج والعروج مقابل النزول وكأن العلم بالولوج والخروج والنزول والعروج كناية عن علمه بحركة كل متحرك وفعله واختتام الآية بقوله: (وهو الرحيم الغفور) كأن فيه إشارة إلى أن له رحمة ثابتة ومغفرة ستصيب قوما بايمانهم.
قوله تعالى: (وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربى لتأتينكم عالم الغيب) الخ، يذكر انكارهم لاتيان الساعة وهي يوم القيامة وهم ينكرونه مع ظهور عموم ملكه وعلمه بكل شئ ولا مورد للارتياب في اتيانها مع ذلك كما تقدم فضلا عن انكار اتيانها ولذلك أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يجيب عن قولهم بقوله: (قل بلى وربى لتأتينكم) أي الساعة.
ولما كان السبب العمدة في انكارهم هو اختلاط الأشياء ومنها أبدان الأموات بعضها ببعض وتبدل صورها تبدلا بعد تبدل بحيث لا خبر عن أعيانها فيمتنع اعادتها من دون تميز بعضها من بعض أشار إلى دفع ذلك بقوله: (عالم الغيب لا يعزب) أي لا يفوت (عن علمه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض).
وقوله: (ولا أصغر من ذلك ولا أكبر الا في كتاب مبين) تعميم لعلمه لكل شئ وفيه مع ذلك إشارة إلى أن للأشياء كائنة ما كانت ثبوتا في كتاب مبين لا تتغير ولا تتبدل وان زالت رسومها عن صفحة الكون وقد تقدم بعض الكلام في الكتاب المبين في سورة الأنعام وغيرها.
(٣٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 352 353 354 355 356 357 358 359 360 361 362 ... » »»
الفهرست