تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٦ - الصفحة ٣٠٦
وثانيا: أن كلا من طرفي الترديد مقيد بما يقابل الاخر، والمراد بإرادة الحياة الدنيا وزينتها جعلها هي الأصل سواء أريدت الآخرة أو لم يرد، والمراد بإرادة الحياة الآخرة جعلها هي الأصل في تعلق القلب بها سواء توسعت معها الحياة الدنيا ونيلت الزينة وصفاء العيش أو لم يكن شئ من ذلك.
ثم الجزاء أعني نتيجة اختيارهن كلا من طرفي الترديد مختلف فلهن على تقدير اختيارهن الحياة الدنيا وزينتها بمفارقة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يطلقهن ويمتعهن جمعاء من مال الدنيا، وعلى تقدير بقائهن على زوجية النبي صلى الله عليه وآله وسلم واختيار الآخرة على الحياة الدنيا وزينتها الاجر العظيم عند الله لكن لا مطلقا بل بشرط الاحسان والعمل الصالح.
ويتبين بذلك أن ليس لزوجية النبي صلى الله عليه وآله وسلم من حيث هي زوجية كرامة عند الله سبحانه وانما الكرامة لزوجيته المقارنة للإحسان والتقوى ولذلك لما ذكر ثانيا علو منزلتهن قيده أيضا بالتقوى فقال: (لستن كأحد من النساء ان اتقيتن) وهذا كقوله في النبي وأصحابه: (محمد رسول الله والذين آمنوا معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا - إلى أن قال - وعد الله الذين آمنوا منهم وعملوا الصالحات أجرا عظيما) حيث مدحهم عامة بظاهر أعمالهم أولا ثم قيد وعدهم الاجر العظيم بالايمان والعمل الصالح.
وبالجملة فاطلاق قوله: (ان أكرمكم عند الله أتقاكم) الحجرات: 10 على حاله غير منتقض بكرامة أخرى بسبب أو نسب أو غير ذلك.
فقوله: (يا أيها النبي قل لأزواجك) أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يبلغ الآيتين أزواجه ولازمه أن يطلقهن ويمتعهن ان اخترن الشق الأول ويبقيهن على زوجيته ان اخترن الله ورسوله والدار الآخرة.
وقوله: (ان كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها) إرادة الحياة الدنيا وزينتها كناية بقرينة المقابلة عن اختيارها وتعلق القلب بتمتعاتها والاقبال عليها والاعراض عن الآخرة.
وقوله: (فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا) قال في الكشاف: أصل تعال أن يقوله من في المكان المرتفع لمن في المكان المستوطأ ثم كثرت حتى استوت في
(٣٠٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 301 302 303 304 305 306 307 308 309 310 311 ... » »»
الفهرست