على أن اصطفاء آدم لو كان على الانسان الأولى كما يذكره المستدل كان ذلك بما أنه مجهز بالعقل وكان ذلك مشتركا بينه وبين بني آدم جميعا على الانسان الأولى فكان تخصيص آدم في الآية بالذكر تخصيصا من غير مخصص.
وربما استدل بقوله: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لادم) الآية الأعراف: 11، بناء على أن (ثم) تدل على التراخي الزماني فقد كان للنوع الانساني وجود قبل خلق آدم وأمر الملائكة بالسجدة له.
وفيه أن (ثم) في الآية للترتيب الكلامي وهو كثير الورود في كلامه تعالى على أن هناك معنى آخر أشرنا إليه في تفسير الآية في الجزء الثامن من الكتاب.
وربما استدل بقوله: (وبدأ خلق الانسان من طين ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين ثم سواه ونفخ فيه من روحه) الآيات وتقريبه أن الآية الأولى المتعرضة لأول خلق الانسان تذكر خلقته الأولية من تراب التي يشترك فيها جميع الافراد، والآية الثالثة تذكر تسويته ونفخ الروح فيه وبالجملة كماله الانساني والعطف بثم تدل على توسط زمان معتد به بين أول خلقته من تراب وبين ظهوره بكماله.
وليس هذا الزمان المتوسط الا زمان توسط الأنواع الأخرى التي تنتهي بتغيرها التدريجي إلى الانسان الكامل وخاصة بالنظر إلى تنكر (سلالة) المفيد للعموم.
وفيه أن قوله: (ثم سواه) عطف على قوله (بدأ) والآيات في مقام بيان ظهور النوع الانساني بالخلق وأن بدأ خلقه وهو خلق آدم كان من طين ثم بدل سلالة من ماء في ظهور أولاده، ثم تمت الخلقة سواء كان فيه أو في أولاده بالتسوية ونفخ الروح.
وهذا معنى صحيح يقبل الانطباق على اللفظ ولا يلزم منه حمل قوله: (ثم جعل نسله من سلالة ماء مهين) على أنواع متوسطة بين الخلق من الطين وبين التسوية ونفخ الروح، وكون (سلالة) نكرة لا يستلزم العموم فان إفادة النكرة للعموم انما هو فيما إذا وقعت في سياق النفي دون الاثبات.
وقد استدل بآيات أخرى مربوطة بخلقة الانسان وآدم بنحو مما مر يعلم الجواب عنها بما قدمناه فلا موجب لنقلها وإطالة الكلام بالجواب عنها.