قوله تعالى: (الذي أحسن كل شئ خلقه) قال الراغب: الحسن عبارة عن كل مبهج - بصيغة الفاعل - مرغوب فيه وذلك ثلاثة أضرب: مستحسن من جهة العقل ومستحسن من جهة الهوى ومستحسن من جهة الحس. انتهى. وهذا تعريف له من جهة خاصته وانقسامه بانقسام الادراكات الانسانية.
وحقيقته ملاءمة أجزاء الشئ بعضها لبعض والمجموع للغرض والغاية الخارجة منه فحسن الوجه تلاؤم أجزائه من العين والحاجب والأنف والفم وغيرها، وحسن العدل ملاءمته للغرض من الاجتماع المدني وهو نيل كل ذي حق حقه، وهكذا.
والتدبر في خلقة الأشياء وكل منها في نفسه متلائم الاجزاء بعضها لبعض والمجموع من وجوده مجهز بما يلائم كماله وسعادته تجهيزا لا أتم ولا أكمل منه يعطى أن كلا منها حسن في نفسه حسنا لا أتم وأكمل منه بالنظر إلى نفسه.
وأما ما نرى من المساءة والقبح في الأشياء فلاحد أمرين: اما لكون الشئ السيئ ذا عنوان عدمي يعود إليه المساءة لا لوجوده في نفسه كالظلم والزنا فان الظلم ليس بسيئ قبيح بما أنه فعل من الافعال بل بما أنه مبطل لحق ثابت والزنا ليس بسيئ قبيح من جهة نفس العمل الخارجي الذي هو مشترك بينه وبين النكاح بل بما أن فيه مخالفة للنهي الشرعي أو للمصلحة الاجتماعية.
أو بقياسه إلى شئ آخر فيعرضه المساءة والقبح من طريق المقايسة كقياس الحنظل إلى البطيخ وقياس الشوك إلى الورد وقياس العقرب إلى الانسان فان المساءة انما تطرء هذه الأشياء من طريق القياس إلى مقابلاتها ثم قياسها إلى طبعنا، ويرجع هذا الوجه من المساءة إلى الوجه الأول بالحقيقة.
وكيف كان فالشئ بما أنه موجود مخلوق لا يتصف بالمساءة ويدل عليه الآية (الذي أحسن كل شئ خلقه) إذا انضم إلى قوله: (الله خالق كل شئ) الزمر: 62 فينتجان أولا: أن الخلقة تلازم الحسن فكل مخلوق حسن من حيث هو مخلوق.
وثانيا: أن كل سيئ وقبيح ليس بمخلوق من حيث هو سيئ قبيح كالمعاصي والسيئات من حيث هي معاص وسيئات والأشياء السيئة من جهة القياس.
قوله تعالى: (وبدء خلق الانسان من طين) المراد بالانسان النوع فالمبدو خلقه